الحكمة؛ ولسنا نعني بالحكمة إلا العلة المخيلة والمعنى المناسب، كقولنا: إن الجوع لمفرط والألم المبرح في معنى الغضب: في تحريم القضاء؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يقض القاضي وهو غضبان". لأنه جعل الغضب سببًا لتحريم القضاء، فعقلت حكمته، هو: أنه يدهش العقل، ويزيح عنه أبواب الصواب، ويمنعه من استيفاء الفكر في طلب النصفة، وتحري العدل في القضية؛ وهذه الحكمة بعينها تدعو إلى نصب الجوع المفرط والألم المبرح مانعًا؛ فهذه حكمة معقولة في تعليل السبب وتعديته.
وكذلك: إذا ورد الشرع بأن الصغير مولى عليه، فنحن نقيس عليه المجنون؛ لأنا نعقل الحكمة في نصب الصغر سببًا للولاية، وهو: ضعف العقل والافتقار إلى الناظر؛ فنقيس به المجنون. فمن زعم: أن مثل هذا النظر غير ملحوظ في تصرفات الشرع، أخرج عن حزب النظار. وإن اعترف به وغير العبارة، وزعم: أن هذا يرجع إلى تنقيح المناط -وهو: أن مناط التحريم من الغضب: دهشة العقل، لا صورة الغضب. ومن الصغر: ضعف العقل، لا عين الصغر. وهذا موجود في الفروع