للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أخذت هذه الريح تشتد رويدا رويدا حتى عمت القارة الأوروبية بأكلها، بل تعدتها إلى أمريكا. وكان المظنون أنها أبعد من سواها عن التعصبات الجنسية والدينية.

ولقد كثرت وقتئذ الحوادث الدالة على اتجاه هذا التيار العاطفي ولاسيما في أقطار أوربا الشرقية حيث يكثر العنصر اليودي، فمن هذا القبيل ما ذكرته الصحف وقتئذ عن مقتل رئيس جمورية بولونيا، ومنه هياج الطلبة في رومانيا ومطالبتهم بتحديد عدد اليهود الذين يؤذن لهم بتلقي العلوم في الجامعات الرومانية. وقد حصل مثل ذلك في الجامعات الأمريكية الكبرى. فإنها شرعت تقيم العقبات في سبيل طالبي دخولها من اليهود، بل إن قانون تحديد المهاجرة المسنون منذ بضع سنوات إنما كان غرضه الأول إقامة سد دون سيل المهاجرين من شرق أوربا، حتى في إنجلترا التي كانت تعد أصدق صديقة لليهود بتنا نرى دلائل عديدة على هذا العداء. وقد حمل جانب من الصحف الإنكليزية أخيراً حملات عنيفة على سيطرة اليهود في فلسطين وأحلامهم في خلق دولة باغتصاب أرض فلسطين بغير حق تأريخي

أو سند قانوني.

وليست هذه أول مرة يتحرج فيها مركز اليهود، فقد عرفوا صنوف الإضطهاد والمناوأة منذ أقدم الأزمنة. ولكن في التأريخ فترات ظهرت فيها هذه المناوأة على أشدها.

ولعل هذا الإضطهاد الذي عاناه بنو إسرائيل على مر التأريخ هو الذي دفع هرتزل أن يقرر حقيقة حتمية مصيرية لشعب اليهود بقوله: "من السخافة أن ننكر وجود "مشكلة يهودية" فإنها موجودة حيثما توجد جماعة من اليهود، وإذا لم توجد في جهة لايلبث أن يحملها إليها المهاجرون. إننا نهاجر إلى جهات التي لا نضطهد فيها ولكن ظهورنا فيها يحمل على اضطهادنا ".

<<  <   >  >>