للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاحتج أبي - رضي الله عنه - بهذه الآيات التي تلاها من سورة الجمعة، والحشر، والأنفال؛ مما يدل على اعتمادهم لمضمون هذه القاعدة في الترجيح بين الأقوال.

وفي استنباط علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أقل مدة الحمل من قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (١) ومن قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (٢)، واعتراضه بذلك على حكم عمر - رضي الله عنه - بالرجم على المرأة التي ولدت لستة أشهر، ونزول عمر - رضي الله عنه - عن رأيه لأكبر دليل على اعتمادهم لما تقرره هذه القاعدة (٣).

كما اهتم الصحابة ومن تبعهم رضوان الله عليهم بتفسير القرآن بناءً على ضوابط وقواعد أخرى، ومن تلك القواعد على سبيل المثال: الترجيح بناءً على السياق، فعلى الرغم من أن التفسير في عهد الصحابة الكرام كان ذا طابع جزئي يُعنى بتفسير المفردة القرآنية, إلا أنه لم يكن يغفل سياقها؛ ولهذا جاء تفسيرهم سليماً خالياً من الخلل بعامة, وإن لم يكن قد ورد عنهم صراحة ما يعد توصيفاً للسياق وتأصيلاً له، عدا إشارات قد تدل علي ما نحن بصدده, ومن ذلك إنكار عبد الله بن عمر رضي الله عنهما على الخوارج، ونعته لهم بأنهم شرار الخلق، حين عمدوا إلى آيات نزلت في الكفار؛ فجعلوها في المسلمين (٤) وهذا لا يكون إلا بتجاهل السياق.


(١) سورة الأحقاف، الآية (١٥).
(٢) سورة البقرة، الآية (٢٣٣).
(٣) أخرجه البيهقي في سننه، باب ما جاء في أقل الحمل، ج ٧، ص ٤٤٢، ح-١٥٣٢٦.
(٤) صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب قتل الخوارج والملحدين، ج ٦، ص ٢٥٣٩، ح-.

<<  <   >  >>