ثم مضى عصر الصحابة، وجاء عهد تلامذتهم من التابعين الذين أخذوا علم الكتاب والسنة عنهم، وكل طبقة من هؤلاء التابعين تخرجت على يد من كان عندها من الصحابة، وتطور الزمن، واتسع الفتح الإسلامي، واختلط العرب بغيرهم من الأمم الداخلة في دين الله تعالى أفواجاً، واتسعت رقعة الدولة الإسلامية، فلم تعد اللغة العربية سليقة لكثير من المسلمين وخاصة سكان الحضر , فكان ذلك وغيره من الأسباب مدعاة للتدوين.
ثم يمضي عهد التابعين، ويليه عهد تابعي التابعين، ومع كل جيل تتسع آفاق المعرفة، خاصة وأنهم كانوا قد تفرقوا في الأمصار المفتوحة.
وفي أواخر عهد بني أمية وأول عهد العباسيين كانت الخطوات الأولى للتصنيف والتدوين، حيث دونت السنة النبوية وهي تضم بين جنباتها تفسير القرآن الكريم، ومناهج تفسيره، ثم سرعان ما اتجه العلماء إلى فصل العلوم بعضها عن بعض.
فأصبح للحديث علماؤه ومصنفاته، وللتفسير علماؤه ومصنفاته، وللقراءات علماؤها ومصنفاتها .. ثم أخذ العلماء يضعون لكل هذه العلوم تفصيلات تكون قواعد وضوابط وأصولاً لإدراك تلك العلوم.
وليس من السهل معرفة أول من دوّن قواعد علم التفسير وضوابطه وأصوله، ولكن بالتأكيد أن هذه العلوم والقواعد والأصول كانت حصيلة بحوث طويلة ودراسات كبيرة قام بها علماؤنا الأفذاذ من عهد حركة التدوين.
وقد اهتم بهذا الطريق من السلف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد ظهر هذا واضحاً من خلال المرويات عنه في تفسير الطبري.