للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرؤية إلى النار استعارة والمعنى: إذا سيقوا إليها فكانوا من النار بمكان ما يرى الرائي من وصل إليه سمعوا لها تغيظاً وزفيراً من مكان بعيد، ويجوز أن يكون معنى: (رأتهم) رآهم ملائكتها أطلقوا منافذها فانطلقت ألسنتها بأصوات اللهيب كأصوات المتغيظ وزفيره فيكون إسناد الرؤية إلى جهنم مجازاً عقلياً ...

ويجوز أن يكون الله قد خلق لجهنم إدراكاً للمرئيات بحيث تشتد أحوالها عند انطباع المرئيات فيها فتضطرب وتفيض وتتهيأ لالتهام بعثها فتحصل منها أصوات التغيظ والزفير فيكون إسناد الرؤية والتغيظ والزفير حقيقة، وأمور العالم الأخرى لا تقاس على الأحوال المتعارفة في الدنيا " (١). وممن ذهب إلى ما ذهب إليه ابن عاشور أبو حيان والشوكاني والقاسمي حيث احتملوا كلا المعنيين الحقيقي والمجازي (٢).

وكذلك ابن عطية إلا أنه ساق أقوالاً تدل على أنها تقتضي الحقيقة، فقد قال: " ولفظ (رأتهم) يحتمل الحقيقة ويحتمل المجاز على معنى صارت منهم على قدر ما يرى الرائي من البعد إلا أنه ورد حديث يقتضي الحقيقة ويحتمل المجاز، في هذا ذكر الطبري وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ بين عيني جهنم مقعده من النار»، فقيل: يا رسول الله! أو لجهنم عينان؟ فقال: «اقرؤوا إن شتئم {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} الآية، وروي


(١) التحرير والتنوير، ج ٩، ص ٣٣٣.
(٢) البحر المحيط / أبو حيان، ج ٦، ص ٤٤٥، وفتح القدير / الشوكاني، ج ٤، ص ٦٤، ومحاسن التأويل / القاسمي، ج ٧، ص ٤٣٧.

<<  <   >  >>