للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله هذا لكان تكليف ما لا يطاق، ولم يلتزم ذلك أحد في تأويل هذه الآية " (١).

قال القرطبي: " وهذا أصوب - أي الإحكام - لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع والجمع ممكن فهو أولى " (٢).

كما استظهر أبو حيان هذا القول فقال: " إنّ قوله: حقّ تقاته من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، كما تقول: ضربت زيداً شديد الضرب، أي الضرب الشديد , فكذلك هذا أي اتقوا الله الاتقاء الحق، أي الواجب الثابت.

أما إذا جعلت التقاة جمعاً فإنَّ التركيب يصير مثل: اضرب زيداً حق ضرابه، فلا يدل هذا التركيب على معنى: اضرب زيداً كما يحق أن يكون ضرابه , بل لو صرح بهذا التركيب لاحتيج في فهم معناه إلى تقدير أشياء يصح بها المعنى، والتقدير: اضرب زيداً ضرباً حقاً كما يحق أن يكون ضرب ضرابه. ولا حاجة تدعو إلى تحميل اللفظ غير ظاهره وتكلف تقادير يصح بها معنى لا يدل عليه ظاهر اللفظ " (٣).

ويقول ابن الجوزي في معنى هذه الآية أيضاً: " والاختلاف في نسخها وإحكامها، يرجع إلى اختلاف المعنى المراد بها، فالمعتقد نسخها يرى أن «حق تقاته» الوقوف على جميع ما يجب له ويستحقه، وهذا يعجز الكل عن الوفاء به، فتحصيله من الواحد ممتنع، والمعتقد إحكامها يرى أن «حق تقاته» أداء ما يلزم العبد على قدر طاقته، فكان قوله تعالى: «ما استطعتم» مفسراً ل «حق تقاته»


(١) المحرر الوجيز / ابن عطية، ج ١، ص ٤٨٣.
(٢) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج ٤، ص ١٦٦.
(٣) البحر المحيط / أبو حيان، ج ٣، ص ٢٠.

<<  <   >  >>