للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِدَرب جهينة، والناحية من داخل السور، وبين حصن الأمير صاحب المدينة. ونقل قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان (١) أن هذا السور القديم بناه عضد الدولة بن بويه بعد الستين وثلاث مئة من الهجرة في خلافة الإمام الطائع (٢) لله بن المطيع، ثم تَهدَّم على طول الزمان وخَرُب بخراب المدينة، ولم يبقَ إلّا آثاره ورسمه، حتى جدد لها جمال الدين محمد بن علي بن أبي منصور الأصفهاني سورًا محكمًا حول مسجد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على رأس الأربعين وخمس مئة من الهجرة. ثم كَثُر الناس من خارج السور، ووصل السلطان الملك العادل نور الدين محمود (٣) بن زنكي بن آقسنقر في سنة سبع وخمسين وخمس مئة إلى المدينة الشريفة بسبب رؤيا رآها، ذكرها بعضُ الناس، وسمعتها من الفقيه علم الدين يعقوب بن أبي بكر المُحترِق أبوه ليلة حريق المسجد، عمّن حدّثه من أكابر مَنْ أدرك أن السلطان محمودًا المذكور، رأى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ثلاث مرات في ليلة واحدة وهو يقول له في كل واحدة منها: يا محمود أنقذني مِن هذيْن الشخصيْن أشقريْن تجاهَه، فاستحضر وزيره قبل الصبح، فذكر له ذلك، فقال له: هذا أمر حدثَ في مدينة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ليس له غيرُك. فتجهَّز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها، من خيل وغير ذلك، حتى دخل المدينة على غفلةٍ من أهلها والوزير معه، وزار وجلس في المسجد لا يدري ما يصنع، فقال له الوزير: أتعرف الشخصين إذا رأيتهما؟


(١) لم نعثر على ذلك في أخبار عضد الدولة عند ابن خلكان في وفيات الأعيان.
(٢) الطائع هو الخليفة العباسي عبد الكريم بن الفضل (٣٦٣ - ٣٨١ هـ) وكان مغلوبًا على أمره من قبل المسيطر عليه عضد الدولة البويهي، ومن دلائل ذلك لقبه ولقب أبيه المطيع.
(٣) نور الدين محمود بن زنكي (٥١١ - ٥٦٩ هـ) أشهر ملوك آل زنكي الذين قامت دولتهم في بلاد الشام والجزيرة ومصر والحجاز واليمن، اشتهر بحبه للجهاد ومحاربة الصليبيين، وعمر عددًا من الجوامع والمدارس والحصون والأسوار في عدد من المدن الإسلامية. انظر سيرته وأخباره في: أبو شامة: كتاب الروضتين؛ وعماد الدين خليل: عماد الدين محمود زنكي.

<<  <   >  >>