للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: نعم، فطلب الناس عامةً، وفرق عليهم ذهبًا كثيرًا وفضة، وقال: لا يَبقيَنَّ أحدٌ بالمدينة إلّا جاء. فلم يبقَ إلّا رجلان مجاوران من أهل الأندلس، نازلان (١) في الناحية التي تلي قبلة حجرة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من خارج المسجد، عند دار آل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، التي تُعرف اليوم بدار العشرة، فطلبهما للصدقة فامتنعا، وقالا: نحن على كفاية ما نقبل شيئًا، فجد في طلبهما فجِيءَ بهما، فلما رآهما قال للوزير: هما هذان، فسألهما عن حالهما، وما جاء بهما، فقالا: لمجاورة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: اصدقاني، وتكرر السؤال حتى أفضى إلى معاقبتهما، فأقرا أنهما من النصارى، وأنهما وصلا لكي ينقلا مَنْ في هذه الحجرة المقدسة، باتفاقٍ من ملوكهم. ووجدهما قد حفرا نقبًا من تحت الأرض، من تحت حائط المسجد القبلي، وهما قاصدان إلى جهة الحجرة الشريفة، ويجعلان التراب في بئر عندهما في البيت الذي هما فيه. هكذا حدثني عَمنْ حدثه. فضرب أعناقهما عند الشباك الذي في شرقي حجرة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- خارج المسجد، ثم أحرقا بالنار آخر النهار (٢). وركب متوجهًا إلى الشام فصاح له مَنْ كان نازلًا خارج السور واستغاثوا، وطلبوا أن يبني عليهم سورًا لحفظ أبنائهم وماشيتهم، فأمر ببناء هذا السور الموجود اليوم فَبُني في سنة ثمان وخمسين، وكتب اسمه على باب البقيع، فهو باقٍ إلى تاريخ هذا الكتاب (٣) والله أعلم.


(١) في الأصل فلم يبق إلّا رجلين مجاورين … نازلين، والصحيح ما أثبتناه من (ب).
(٢) أول من أورد هذه القصة جمال الدين المطري في كتابه هذا بعد مضي قرابة قرنين على عهد نور الدين محمود زنكي. وعلى الرغم من أن السمهودي ذكر تعدد رواياتها وتفاصيلها (وفاء ج ٢ ص ٦٤٨ - ٦٥٢) إلّا أنه أول من تعجب من عدم ذكرها في المصادر التي ترجمت لنور الدين، ثم اختلف الباحثون بعد ذلك ما بين مثبت وناف لها. وعلى رأس من أنكرها إبراهيم العياشي في كتابه: المدينة بين الماضي والحاضر ص ١٦١ - ١٦٤. كذلك انظر: إبراهيم محمد المزيني: رواية صب الرصاص حول قبر الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في عهد السلطان زنكي، مجلة الدارة عدد ٤ سنة ١٤١٧ هـ ص ٩٥ - ١٢١.
(٣) وهو سنة ٧٤٠ هـ كما ذكر المؤلف قبل قليل.

<<  <   >  >>