للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مرة وهذا مرة، والمنصور من نصره الله عز وجل، والمحفوظ من حفظه الله تعالى، وجعل له مقابل نفسه الأمارة نفساً مطمئنة إذا أمرته النفس الأمارة بالسوء نهته عنه النفس المطمئنة، وإذا نهته الأمارة عن الخير أمرته به النفس المطمئنة.

فهو يطيع هذه مرة وهذه مرة، وهو الغالب منهما، وربما انقهرت إحداهما بالكلية قهراً لا تقوم معه أبداً.

وجعل له مقابل الهوى الحامل له على طاعة الشيطان والنفس الأمارة نوراً وبصيرة وعقلاً يرده عن الذهاب مع الهوى الحامل له على طاعة الشيطان والنفس الأمارة نوراً وبصيرة وعقلاً يرده عن الذهاب مع الهوى، فكلما أراد أن يذهب مع الهوى ناداه العقل والبصيرة والنور: الحذر الحذر، فإن المهالك والمتالف بين يديك وأنت صيد الحرامية وقطاع الطريق إن سرت خلف هذا الدليل.

فهو يطيع الناصح مرة فيبن له رشده ونصحه، ويمشي خلف دليل الهوى مرة فيقطع عليه الطريق ويؤخذ ماله ويسلب ثيابه فيقول: ترى من أين أتيت؟

والعجب أنه يعلم من أين أتي، ويعرف الطريق التي قطعت عليه وأخذ فيها ويأبى إلا سلوكها، لأن دليلها قد يمكن منه وتحكم فيه وقوي عليه، ولو أضعفه بالمخالفة له وزجره إذا دعاه ومحاربته إذا أراد أخذه لم يتمكن منه، ولكن هو مكنه من نفسه وهو أعطاه يده، فهو بمنزلة الرجل يضع يده في يد عدوه فيباشر ثم يساومه سوء العذاب، فهو يستغيث فلا يغاث، فهكذا يستأسر للشيطان والهوى ولنفسه الأمارة ثم يطلب الخلاص فيعجز عنه، فلما أن بلي العبد بما بلي به أعين بالعساكر والعدد والحصون، وقيل: قاتل عدوك وجاهده، فهذه الجنود خذ منها ما شئت، وهذه الحصون تحصن بأي حصن شئت منها ورابط إلى الموت، فالأمر قريب ومدة المرابطة يسيرة جداً، فكأنك بالملك الأعظم وقد أرسل إليك رسله فنقلوك إلى داره واسترحت من هذا الجهاد وفرق بينك وبين عدوك وأطلقت في داره الكرامة تتقلب فيها كيف شئت وسجن عدوك في أصعب الحبوس وأنت تراه.

فالسجن الذي كان يريد أن يودعك فيه قد أدخله وأغلقت عليه أبوابه وأيس من الروح والفرج، وأنت فيما اشتهت نفسك، وقرت عينك، جزاء على صبرك في تالك المدة اليسيرة ولزومك الثغر للرباط، وما كانت إلا ساعة ثم انقضت وكأن الشدة لم تكن.

فإن ضعفت النفس عن ملاحظة قصر الوقت وسرعة انقضائه فليتدبر قوله عز وجل: {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة} وقوله عز وجل: {كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها} وقوله عز وجل: {قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون} وقوله عز وجل: {

<<  <   >  >>