للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتأثّرت الجالية الإسلاميّة في غرب فرنسا بوفاة هذا الرجل الذي خصّص جزءاً كبيراً من ماله ووقته من أجل مساعدة العمّال المسلمين من أفريقيا الشمالية وأفريقيا السوداء ومن تركيا، منذ ربع قرن. فكان يطرق بابه كلّ من واجه صعوبات في ميادين الشغل والسّكن وتربية الأطفال.. وتمكّن الأب دوشمان من تخفيف المشاق التي يعانيها العمّال المغتربون..

وقبل هذا المنعطف من حياته، كان قد اعتنى بمعرفة الإسلام عندما أراد أن يصير مبشّراً في المغرب أو في أفريقيا، وهو مُعجب في بداية شبابه بالأب دوفوكو الذي كوّن مجموعة دينية لتختصّ بتنصير المسلمين، ولم يستطع تنفيذ هذا المشروع نظراً لحالته الصحيّة، وعوض السفر خارج فرنسا دخل دوشمان معهد اعداد القسيسين، حيث تخرّج عام ١٩٣٢م، وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وعُين على رأس كنائس عديدة في المدن والقرى المجاورة لمدينته لومانس، والتي كان يقطن أحد أحيائها الشعبيّة.

كان حلم دوشمان وثقافته، زيادة على ذوقه كرسّام يرسم لوحات زيتيّة تحت امضاء "دوتو"، وهو اسم مُستعار، يجعلانه مطلوباً من طرف أغنياء وأشراف المقاطعة الذين كانوا ينتظرون من القسيس ثقافة عليا زيادة على معرفته بعلم اللاهوت وتاريخ الكنيسة.. إلاّ أنّه كان لا يحتمل جوانب من النفسيّة السائدة داخل الكنيسة لأنّها تتناقض في نظره والصّراحة الناتجة عن الايمان الحقيقي. وسبق له أن حرّر كتاباً يتهكّم فيه على تصرّف بعض المسؤولين في الكنيسة، إلاّ أنّه لم يرد نشر هذا الكتاب القيّم الذي كان يقرأ صفحات منه للقسيسين الذين كانوا يدعوهم الى مائدته من أجل تسليتهم. في هذه الفترة كان الأب دوشمان قسيساً مثاليّاً متمسّكاً بقيم الانجيل أكثر ممّا كان متفقاً مع الكنيسة ولا يتحمّل ما يقترب من النفاق، ومع هذا كان منضبطاً يمتثل للأوامر الآتية من القمّة.

<<  <   >  >>