للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفى مساء اليوم الثانى، جلسنا كالعادة لعشاء دسم، وبعد العشاء حضر رجل من القرية ليطربنا بأغانى شعبية، مصطحبا قيثارة بثلاث أوتار، وكان يغنى بلغة الباشتو التى لم أفهمها، ولكن بعض الكلمات الفارسية كانت تخللها بوضوح، فى الغرفة الدافئة المغطاة بالسجاجيد، بينما وميض الثلج البارد يظهر من خلال النوافذ. أتذكر أنه كان يغنى عن المعركة بين داوود وجالوت، وبدأها بنغمة متواضعة، ثم تدرجت إلى بعض العنف، وأنتهت بروح الإنتصار.

وبعد أن انتهت، قال الحاكم أن داوود كان شابا، ولكن إيمانه كان قويا....

ولم أتمالك من التعليق، فقلت " كذلك أنتم كثيرون ولكن إيمانكم ضعيف ".

نظر إلى المضيف بدهشة، وارتباك لما تطوعت وذكرته، فأسرعت لأوضح قولى. وأخذ توضيحى شكل سيل من الأسئلة:::

لماذا فقدتم أنتم المسلمون ثقتكم بأنفسكم، التى فى القديم ساعدت على نشر الإيمان بالإسلام فى أقل من مائة عام، من الجزيرة العربية غربا إلى المحيط الأطلسى، وشرقا فى العمق إلى الصين - والآن تستسلمون بضعف، إلى الأفكار والعادات الغربية؟ لماذا لا تستطيعون أنتم يا من كان أباؤكم الأوائل أناروا العالم بعلمهم وفنهم، بينما كانت أوروبا تغض فى بربرية وجهل مدقع، فلتعملوا من الآن على أن تعودوا لإيمانكم الخلاق؟ كيف أن هذا الأتاتورك التافه، الذى ينكر كل قيم الإسلام، قد أصبح عندكم رمزا لإحياء الإسلام؟

استمر مضيفى فى صمته. وبدأ الجليد ينهمر فى الخارج. ومرة ثانية غمرنى الشعور المزدوج، بالحزن والسعادة، الذى انتابنى حينما اقتربت من " ديهزانجى ". أحسست بالفخار لما قد كان، وبالخجل لما عليه أبناء حضارة عظيمة.

<<  <   >  >>