السيادة على الطبيعة هي في صميمها ذات صفة دفاعية؛ فخلف واجهتها البراقة يكمن الخوف من الغيب، إن الحضارة الغربية لم تستطع حتى الآن أن تقيم توازناً بين حاجات الإنسان الجسيمة والاجتماعية وبين أشواقه الروحية، لقد تخلت عن آداب دياناتها السابقة دون أن تتمكن أن تخرج من نفسها أي نظام أخلاقي آخر – مهما كان نظرياً- يخضع نفسه للعقل، بالرغم من كل ما حققته من تقدم ثقافي؛ فإنها لم تستطع حتى الآن التغلب على استعداد الإنسان الأحمق للسقوط فريسة لأي هتاف عدائي أو نداء للحرب مهما كان سخيفاً باطلاً يخترعه الحاذقون من الزعماء.. الأمم الغربية وصلت إلى درجة أصبحت معها الإمكانات العلمية غير المحدودة تصاحب الفوضى العملية، وإذا كان الغربي يفتقر إلى توجيه ديني حاذق فإنه لا يستطيع أن يفيد أخلاقياً من ضياء المعرفة الذي تسكبه علومه وهي لا شك عظيمة، إن الغربيين – في عمى وعجرفة- يعتقدون عن اقتناع أن حضارتهم هي التي ستنير العالم وتحقق السعادة، وأن كل المشاكل البشرية يمكن حلها في المصانع والمعامل وعلى مكاتب المحللين الاقتصاديين والإحصائيين، إنهم بحق يعبدون الدجال" [٣٧٣] .
في هذه الرحلة الثانية أمكنة أن يتقن اللغة العربية ولذلك فبدل أن ينظر إلى الإسلام بعين غيره من المستشرقين ومترجمي القرآن غير المسلمين صار في إمكانه أن ينظر إلى الإسلام في تراثه الثقافي كما هو، لم يعد على اعتقاده السابق استحالة أن يتفهم الأوروبي بوعي العقلية الإسلامية، أيقن أنه لو تحرر المرء تماماً من عاداته التي نشأ عليها ومناهجها الفكرية وتقبل مفهوم أنها ليست بالضرورة الأساليب الصحيحة في الحياة لأمكن أن يفهم ما يبدو غريباً في نظرة عن الإسلام، كانت فكرته عن الإسلام تتطور وتنمو طوال هذه الرحلة الثانية التي أمكنه فيها أن يختلط بالشعوب ويناقش العلماء، يتصل بالزعماء.