وَرُبَّمَا خَرَجَتْ مَوَاضِعُ عَنِ الْقِيَاسِ الْمُطَّرِدِ لِمَعْنًى فَمِمَّا خَرَجَ مِنَ الْهَمْزِ السَّاكِنِ اللَّازِمِ فِي الْمَكْسُورِ مَا قَبْلَهُ (وَرِئْيًا) فِي سُورَةِ مَرْيَمَ حُذِفَتْ صُورَةُ هَمْزَتِهَا وَكُتِبَتْ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ، قِيلَ: اكْتِفَاءً بِالْكَسْرَةِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صُوِّرَتْ لَكَانَتْ يَاءً، فَحُذِفَتْ لِذَلِكَ كَمَا حُذِفَتْ مِنْ (وَيَسْتَحْيِي وَيُحْيِي) وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ، وَكُتِبَتْ (هَيِّئْ لَنَا وَيُهَيِّئْ لَكُمْ) فِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ صُورَةُ الْهَمْزَةِ فِيهَا أَلِفًا؛ مِنْ أَجْلِ اجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ، إِذْ لَوْ حُذِفَتْ لَحَصَلَ الْإِجْحَافُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْيَاءَ فِيهِمَا قَبْلَهَا مُشَدَّدَةٌ، نَصَّ عَلَى تَصْوِيرِهَا أَلِفًا فِيهِمَا وَفِي (وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَالْمَكْرُ السَّيِّئُ) الْغَازِي بْنُ قَيْسٍ فِي هِجَاءِ السُّنَّةِ لَهُ، أَنْكَرَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ كِتَابَةَ ذَلِكَ بِأَلِفٍ، وَقَالَ: إِنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَقَالَ السَّخَاوِيُّ: إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْهُ أَبُو عَمْرٍو، عَنْ يَقِينٍ، بَلْ عَنْ غَلَبَةِ ظَنٍّ وَعَدَمِ اطِّلَاعٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ فِي الْمُصْحَفِ الشَّامِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَازِي بْنُ قَيْسٍ.
(قُلْتُ) : وَكَذَلِكَ رَأَيْتُهَا أَنَا فِيهِ، وَقَدْ نَصَّ الشَّاطِبِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى رَسْمِ (هَيِّئْ وَيُهَيِّئْ) بِيَاءَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْمَضْمُومِ مَا قَبْلَهُ (تُووِي إِلَيْكَ، وَتُووِيهِ) حُذِفَتْ صُورَةُ الْهَمْزَةِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صُوِّرَتْ لَكَانَتْ وَاوًا، فَيَجْتَمِعُ الْمِثْلَانِ أَيْضًا كَمَا حُذِفَتْ فِي (دَاوُدُ، وَرُوِيَ، وَيَسْتَوُونَ) لِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ حُذِفَتْ فِي (رُؤْيَاكَ، وَالرُّؤْيَا، وَرُؤْيَايَ) فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، فَلَمْ يُكْتَبْ لَهَا أَيْضًا صُورَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صُوِّرَتْ فِي ذَلِكَ لَكَانَتْ وَاوًا، وَالْوَاوُ فِي الْخَطِّ الْقَدِيمِ الَّذِي كُتِبَتْ بِهِ الْمَصَاحِفُ الْعُثْمَانِيَّةُ قَرِيبَةُ الشَّكْلِ بِالرَّاءِ، فَحُذِفَتْ لِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ كُتِبَتْ عَلَى قِرَاءَةِ الْإِدْغَامِ، أَوْ لِتَشْمَلَ الْقِرَاءَتَيْنِ تَحْقِيقًا وَتَقْدِيرًا، وَهُوَ الْأَحْسَنُ، وَفِي الْمَفْتُوحِ مَا قَبْلَهَا (فَادَّارَاتُمْ فِيهَا) مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ حُذِفَتْ صُورَةُ الْهَمْزَةِ مِنْهُ. وَلَوْ صُوِّرَتْ لَكَانَتْ أَلِفًا، وَكَذَلِكَ حُذِفَتِ الْأَلِفُ الَّتِي قَبْلَهَا بَعْدَ الدَّالِ. وَإِنَّمَا حُذِفَا اخْتِصَارًا وَتَخْفِيفًا، أَوْ أَنَّهُمَا لَوْ كُتِبَا لَاجْتَمَعَتِ الْأَمْثَالُ، فَإِنَّ الْأَلِفَ الَّتِي بَعْدَ الْفَاءِ ثَابِتَةٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ تَنْبِيهًا عَلَيْهَا لِأَنَّهَا سَاقِطَةٌ فِي اللَّفْظِ، بِخِلَافِ الْآخِرَتَيْنِ، فَإِنَّهُمَا وَإِنْ حُذِفَتَا خَطَأً فَإِنَّ مَوْضِعَهُمَا مَعْلُومٌ، إِذْ لَا يُمْكِنُ النُّطْقُ بِالْكَلِمَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute