للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال بعضهم: ولا أعلم مصدرا جاء في لغة العرب على تفعلة بضم العين إلا هذا، قال أبو علي: حكاه سيبويه «١» في التّبصرة وقال صاحب الكشاف «٢» : ويجوز أن يكون أصله التّهلكة بكسر اللام، كالتجربة، والتبصرة، فأبدلت الكسرة ضمة، كما جاء الجوار في الجوار.

ويعجبنا قول الفخر الرازي في هذا المقام: إني لأتعجب لهؤلاء النحويين في أمثال هذه المواضع، وذلك أنهم لو وجدوا من الشعر مجهولا يشهد لما أرادوا طاروا به فرحا، واتخذوه حجة قوية، أفلا يكون ورود هذا اللفظ في كلام الله المشهود له بأنه في أعلى درجات البلاغة- أولى بأن يدل على صحة هذه اللفظة واستقامتها؟

وقد اختلف المفسرون في المراد بالتهلكة هنا- فمنهم من قال: التهلكة ألا ينفقوا في مهمات الجهاد أموالهم، فيستولي عليهم عدوّهم، ويهلكهم وهناك وجه آخر: وهو أن الله لما أمرهم بالإنفاق، وكان الرجل ربما استنفد ماله في مرضاة الله، وهذا قد يؤدي إلى هلاكه قال: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ أي لا تجهزوا على المال بالنفقة، بل أبقوا بعضه، وأنفقوا بعضه، وهو حينئذ في معنى قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (٦٧) [الفرقان: ٦٧] وقوله: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩) [الإسراء: ٢٩] .

وقيل بل هي نهي عن الإخلال بما يتطلبه الجهاد، فيتعرضوا للهلاك الذي هو عذاب، وقيل غير هذا، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ أي وأحسنوا في الانفاق بأن تجعلوه وسطا لا إسراف فيه ولا تقتير.

قال الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ اختلف العلماء في إتمام الحج والعمرة ما هو؟

فقيل: أداؤهما، والإتيان بهما من غير أن يفعل في أثنائهما شيئا من المحظورات، وقد يجيء الإتمام بمعنى أصل الفعل، كما في قوله تعالى:


(١) عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي، عالم النحو، صنف كتابا سماه الكتاب، أخذ عن الخليل، انظر الأعلام للزركلي (٥/ ٨١) .
(٢) انظر تفسير: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشري (١/ ٢٣٨) .

<<  <   >  >>