للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ أي فعلها، وكما في قوله: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ أي أدوه، وقد علمت ما فيه سابقا.

وقال سفيان الثوري: إتمامهما أن تخرج لهما لا لغيرهما، وقيل: إتمامهما فعل كل واحد منهما منفردا، من غير تمتع ولا قران، قال ابن حبيب «١» : وقيل إتمامهما أن لا يستحل فيهما ما لا ينبغي. وقيل: إتمامهما أن يحرم لهما من دويرة أهله. وقيل:

أن ينفق في سفرهما الحلال الطيب.

وقد ذكر في أسباب النزول روايات كثيرة يرجع إليها هذا الخلاف، ويأخذ منها المختلفون ما يؤيّد مذهبهم، لا نريد الإطالة بذكرها، وقد اتفق العلماء على فرضية الحج، واختلفوا في العمرة، وذلك أن كثيرا من الآيات، بل كل الآيات التي طلب فيها الحجّ جاء ذكره فيها مجرّدا عن ذكر العمرة وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: ٩٧] وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ [الحج: ٢٧] .

والأحاديث الصحيحة التي بيّنت قواعد الإسلام لم يرد فيها ذكر العمرة، نعم جاء ذكر العمرة مع الحج عند بيان الكيفيات، كقوله: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وقوله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ إلى قوله:

فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ.

فقال بعض العلماء: إنّ ذلك يقتضي أن لا يكونا سواء في الحكم، فالعمرة سنّة والحجّ فريضة.

وذهب جماعة إلى أنّ العمرة واجبة كالحجّ وبه أخذ الشافعيّ وأحمد وابن الجهم من المالكية، وهو مذهب علي، وابن عمر وابن عباس، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وغيرهم.

وقال مالك، والنخعي، وأبو حنيفة: (وروي عنه الوجوب) إن: العمرة سنة، وهو مذهب ابن مسعود وجابر بن عبد الله، ولنذكر طرفا من جملة ما استدل به الفريقان:

استدل الأولون: بما

روي في الصّحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لأصحابه «من كان معه هدي فليهلّ بحجّ وعمرة» «٢» .


(١) عبد الملك بن حبيب بن سليمان أبو مروان القرطبي، صاحب كتاب الواضحة في الفقه، عالم الأندلس وفقيهها، زار مصر كان عالما بالتاريخ توفي بقرطبة، انظر الأعلام للزركلي (٤/ ١٥٧) .
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٨٧٠) ، ١٥- كتاب الحج، ١٧، باب بيان وجوه الإحرام حديث رقم (١١١/ ١٢١١) . [.....]

<<  <   >  >>