للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمرض، ورجّح الأول ابن العربي «١» وقال: رأي أكثر أهل اللغة «٢» ، وقال الزجّاج:

إنّه كذلك عند جميع أهل اللغة. وقال الفرّاء: هما بمعنى واحد في المرض والعدو، ووافقه على ذلك أبو عمرو الشيباني «٣» .

وبسبب هذا الاختلاف بين أهل اللغة اختلف أئمة الفقه، فذهب الحنفية إلى أنّ المحصر من يصير ممنوعا من دخول مكة بعد الإحرام بمرض، أو عدوّ، أو غيره، وذهب الشافعية إلى أن الإحصار معناه: المنع بالعدو.

وقال الفخر الرازي: وفائدة هذا الخلاف تظهر في مسألة فقهية، وهي أنهم اتفقوا على أنّ حكم الإحصار في الحصر بالعدو ثابت، وهل يثبت بالمرض وسائر الموانع أو لا؟

قال أبو حنيفة: يثبت، وقال الشافعي: لا يثبت، وحجة أبي حنيفة ظاهرة على مذهب أهل اللغة، وذلك لأن أهل اللغة رجلان:

أحدهم: الذي قال: الإحصار مختصّ بالمرض. فتكون الآية نصّا فيه.

والثاني: الذي قال: إنّ الإحصار اسم لمطلق الحبس، سواء كان حاصلا بسبب المرض، أو بسبب العدو. وحجة أبي حنيفة على هذا ظاهرة أيضا، لأنّ الله تعالى علّق الحكم على مسمّى الإحصار، وهو عام، فتناول الكل.

نعم إنّ هناك قولا ثالثا، وهو أن الإحصار في الحصر بالعدو. قال الفخر: وهو باطل باتفاق أهل اللغة، وبتقدير ثبوته. فنحن نقيس المرض على العدو بجامع الحرج، وهو قياس جلي، وقد استدل الشافعية لمذهبهم بوجوه منها أنّ رأينا وإن كان يخالف روايات أهل اللغة إلا أنه مرويّ عن ابن عباس، وابن عمر، وهما أولى، لأنّهما من أهل اللغة. وأدرى بتفسير «القرآن» .

على أنا نقول: إنّ الحصر عبارة عن المنع، ولا يقال: إنّ الإنسان ممنوع عن كذا إلا إذا كان متمكّنا منه قادرا عليه، وذلك في العدو، لا في المرض، وأيضا أُحْصِرْتُمْ معناها: منعتم، والمنع لا بدّ له من مانع، ولا يسند الفعل إلى المرض عقلا، لأنّه مرض لا يبقى زمانين، فكيف يقال: إنه مانع؟ وأنت ترى أنهم في هذا يستعملون القياس في اللغة.

وقالوا أيضا إن الله تعالى قال في الآية: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ


(١) هو محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي توفي (٥٤٣ هـ) في فاس، من حفاظ الحديث، انظر الأعلام للزركلي (٦/ ٢٣٠) .
(٢) انظر أحكام القرآن لابن العربي ط ٢، بيروت، دار الفكر، ١٩٦٧ (١/ ١١٩- ١٢٤) .
(٣) إسحاق بن مرار الشيباني بالولاء النحوي اللغوي سكن بغداد وتوفي فيها سنة (٢٠٦ هـ) ، انظر الأعلام للزركلي (١/ ٢٩٦) .

<<  <   >  >>