الهدي، فقال عبد الله بن مسعود وابن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن وابن سيرين: هو الحرم، وهو مذهب الحنفية «١» والثوري.
وقال مالك والشافعي: محله الموضع الذي أحصر فيه، فيذبحه ويحل، وذلك أنّ معنى قوله تعالى: وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ لا تحلوا من إحرامكم حتى تعلموا أنّ الهدي الذي بعثتموه إلى الحرم قد بلغ محله، والكلام في هذا المحل، لأنه يحتمل أن يراد منه الوقت الذي يذبح فيه، ويحتمل أن يراد منه الموضع.
فذهب الشافعية وأهل المدينة إلى أن المراد منه الوقت الذي يذبح فيه، إذا جاء في موضع الإحصار، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ذبح فيه حيث أحصر في عام الحديبية.
وذهب الحنفية إلى أنه الحرم، لأن المحل وإن كان يحتمل الوقت، ومنه محلّ الدّين: أي وقته، غير أن الله تعالى يقول: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فلو كان هدي الإحصار يذبح في موضع الإحصار لكان الهدي بالغا محله، وحينئذ يكون قوله حتى يبلغ الهدي محله لاغيا.
وقد قال الله تعالى: وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ إلى أن قال:
لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) [الحج: ٣٠- ٣٣] والظاهر أنّ ذلك في كل الهدايا بلا فرق. وكأنّ الآية بيان للإجمال في قوله: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فقد جعل الله محل الهدي البيت العتيق، فليس لأحد أن يجعله في غيره.
وأيضا فقد قال الله في جزاء الصيد: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: ٩٥] فبيّن أن الشرط في الهدي أن يكون على صفة بلوغ الكعبة، فلا يصح أن تغيّر هذه الصفة، كما لم يصح تغيير التتابع في صوم كفّارة الظهار. هذا مجمل أدلة الحنفية، وقد أجابوا عن فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في عام الحديبية فقالوا: إن الذبح في طرف الحرم من جهة الحديبية.
والشافعية وأهل المدينة استدلوا بفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأيضا قوله تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ يدلّ عليه، بل إنه لو كان الذبح في الحرم لما قال: مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ أي الحرم، فيكون النبي صلّى الله عليه وسلّم قد ذبح في الحل، لا في الحرم.
والحنفية يقولون: إنه يستحبّ أن يكون الذبح عند المروة بمنى، فلما منع المشركون الهدي أن يبلغ هذا المحل، كان الهدي معكوفا أن يبلغ المحل الأفضل، وإن كان الذبح واقعا في الحرم، هذا مجمل الأدلة والشبه من الفريقين.
ثم إنّ العلماء لم يختلفوا في أن هدي العمرة غير مؤقّت بزمن مخصوص، بل له أن يذبح
(١) انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني (١/ ١٩٦) . [.....]