للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واختلفت الروايات عنه في الصدقة، فمرّة روي عنه الصدقة بستة صيعان كما رأيت، على ستة مساكين، ومرة بثلاثة آصع «١» ، على ستة مساكين، فاضطر الجمهور إلى الجمع بينهما، فحملوا رواية الثلاثة آصع، على طعام القمح، لأنه المعهود فيه في سائر الصدقات، وحملوا رواية الستة آصع على التمر، وأما النسك فلا خلاف أنه تجزئ فيه الشاة، وقد ورد في أخبار كعب بعضها: أنسك نسيكة، وبعضها: شاة، فهو إن شاء ذبح شاة وإن شاء ذبح بدنة.

ولا خلاف أنه مخيّر بين فعل أي واحد من الثلاثة، يفعل أيها شاء. لأنّ هذا ما تقضيه (أو) من التخيير.

فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ.

بهذه تعلّق الشافعية أيضا فيما ذهبوا إليه من الإحصار هو من العدو فحسب، وقال الحنفية: إن الأمن كما يكون من العدو يكون من غيره، ثم إنّ قوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ينتظم معنيين:

أحدهما: الإحلال، والمتعة بالنساء.

والآخر: جمع الحج والعمرة في أشهر الحج، ومعناه حينئذ: الارتفاق بهما، وترك إنشاء سفرين لهما.

وقد كانت العرب تكره العمرة في أشهر الحج، وتعدّها من أفجر الفجور. روي عن ابن عباس أنه قال: كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفر. ويقولون: إذا برأ الدّبر وعفى الأثر، وانسلخ صفر، حلّت العمرة لمن اعتمر «٢» .

فالمتعة بالحج تحتمل المعنيين:

استباحة التمتع بالنساء بالإحلال، والمعنى الثاني: الارتفاق بجمعهما في أشهر الحج، بعد أن كان ذلك ممنوعا.

وقد اختلف في قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ.

فقال ابن مسعود وعلقمة «٣» : هو عطف على قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ


(١) رواه البخاري في الصحيح (٥/ ١٨٥) ، ٦٥- كتاب تفسير القرآن، ٣٢- باب فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً حديث رقم (٤٥١٧) ، ومسلم في الصحيح (٢/ ٨٥٩) ، ١٥- كتاب الحج، ١٠- باب جواز حلق الرأس حديث رقم (٨٠/ ١٢٠١) .
(٢) رواه البخاري في الصحيح (٢/ ١٨٥) ، ٢٥- كتاب الحج، ٣٤- باب التمتع والإقران والإفراد بالحج حديث رقم (١٥٦٤) .
(٣) علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي، أبو شبل، تابعي، كان فقيه العراق، انظر الأعلام للزركلي (٤/ ٢٤٨) .

<<  <   >  >>