للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد روي عن عمر رضي الله عنه اختيار المتعة على غيرها، فدلّ ذلك على أن النهي إنما كان لمعنى، خاصّ، لا لعدم الجواز.

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

أي: فمن لم يجد الهدي- إما لعدم المال، أو لعدم الحيوان- صام ثلاثة أيام في الحج: وهي من عند شروعه في الإحرام إلى يوم النحر، وقيل: يصوم قبل يوم التروية يوما، ويوم التروية، ويوم عرفة. وقيل: ما بين أن يحرم إلى يوم عرفة. وقيل:

يصومها من أول عشر ذي الحجة، وقيل: ما دام بمكة، وقيل: غير ذلك.

وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ المراد بالرجوع الرجوع إلى الأهل، وقال أحمد، وإسحاق:

يجزئه أن يصوم في الطريق، ولا يتضيّق عليه الوجوب إلا بالرجوع إلى الوطن، وهو مذهب الشافعي.

وقال مالك: إذا رجع إلى منى فلا بأس أن يصوم.

وقال الشوكاني: والأول أرجح، فقد ثبت في «الصحيح» «١» من

حديث ابن عمر أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله» .

وإنما قال سبحانه: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ مع أنّ كلّ أحد يعلم أنّ الثلاثة والسبعة عشرة كاملة لدفع أن يتوهم متوهم أنه مخيّر بين الثلاثة في الحج، وبين السبعة إذا رجع إلى أهله، قاله الزجّاج.

وقال المبرد: إنما قال ذلك ليدلّ على انقضاء العدد، حتى لا يتوهّم بقاء شيء وراء السبعة، وقيل: هو توكيد، كما تقول كتبت بيدي، وقد جاء مثل هذا في كلام العرب، قال الشاعر «٢» :

ثلاث واثنتان فهنّ خمس ... وسادسة تميل إلى شمام

وكذا قول الآخر:

ثلاث بالغداء وذاك حسبي ... وستّ حين يدركني العشاء

فذلك تسعة في اليوم ريّي ... وشرب المرء فوق الريّ داء

وقوله: كامِلَةٌ توكيد آخر، لزيادة العناية بشأنها، حتى لا ينقص منها شيء.


(١) رواه البخاري في الصحيح (٢/ ٢١٩) ، ٢٥- كتاب الحج، ١٠٤- باب من ساق البدن حديث رقم (١٦٩١) ، ومسلم في الصحيح (٢/ ٩٠١) ، ١٥- كتاب الحج، ٢٤- باب وجوب الدم على المتمتع حديث رقم (١٧٤/ ١٢٢٧) .
(٢) هو الفرزدق كما في زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (١/ ١٧٨) .

<<  <   >  >>