لما أمر الله تعالى بالذكر ذكر عقبه ما يكون من الناس في الدعاء، ليأخذوا بأحسن الأحوال، ويتركوا غيره، فقال: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ.. الآية فقسّم الناس في الدعاء إلى قسمين:
قسم يقصر دعاءه على أمور الدنيا، والاستزادة من خيراتها، ويسكت عن الآخرة، وكأنّها لا تخطر له على بال، ولا يعنيه من أمورها شيء، ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ الخلاق: النصيب.
وقسم يحرص على طلب خيرى الدنيا والآخرة، وهؤلاء سيؤتيهم الله نصيبهم غير منقوص أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا.
وقد قيل: إن الإشارة في قوله: أُولئِكَ راجع إلى الفريقين: يعني الذين طلبوا الدنيا فقط، والذين طلبوهما معا.
وقيل: بل هو راجع للقسم الثاني فقط، والدليل عليه أن الله ذكر حكم الفريق الأول بقوله: ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ.
قد يقال: كيف رجع قوله تعالى: أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا إلى الفريق الثاني، مع أنه مشعر بتحقير الجزاء؟
ويجاب عنه بأنّ المراد: لهم نصيب في الدنيا والآخرة يبتدئ من كسبهم، فمن لابتداء الغاية، لا للتبعيض، والكسب يطلق على ما يناله المرء بعمله، وقد يكون نفعا، وقد يكون ضررا، وقد اختلف في المراد بالفريق المقصود بقوله: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ فقيل: هم الكفار، كانوا يقولون إذا وقفوا: اللهم ارزقنا إبلا وبقرا وغنما وعبيدا، وما كانوا يطلبون التوبة والمغفرة، فأخبر الله أن من كان من هذا القبيل فلا خلاق له في الآخرة.
وقيل: هؤلاء قد يكونون مؤمنين، ولكنهم يسألون الله لدنياهم لا لأخراهم، وهو سؤال يعدّ ذنبا في هذه المواقف العظيمة، حيث يسألون فيها حطام الدنيا، ويعرضون عن سؤال النعيم الدائم في الآخرة.
قيل: الحسنة في الدنيا عبارة عن: الصحة والأمن والكفاية والولد الصالح