للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والزوج الصالحة والنصرة على الأعداء. وأما الحسنة في الآخرة فهي: الفوز بالثواب، والخلاص من العقاب.

وبالجملة، فقوله: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً كلمة جامعة لجميع مطالب الدنيا والآخرة: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ حساب الله آت لا محالة، وما دام محقق الوقوع، فهو قريب سريع.

قال الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣) وقد ورد الذكر في الحج في الأيام مرتين، فمرة في سورة البقرة بلفظ المعدودات، وهي الآية التي معنا وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ومرة في سورة الحج بلفظ معلومات في قوله: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ [الحج: ٢٨] فذهب الشافعيّ رضي الله عنه إلى أنّ المعلومات هي العشرة الأوائل من ذي الحجة، آخرها النحر، وأما المعدودات فهي ثلاثة بعد يوم النحر، وهي أيام التشريق.

وقد أكد القفّال هذا بما رواه في تفسيره أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر مناديا ينادي: «الحجّ عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحجّ. وأيام منى ثلاثة أيام، فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه» «١»

وهذا يدل على أن الأيام المعدودات هي: أيام التشريق.

قال الواحدي «٢» : أيام التشريق ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وهذه الأيّام الثلاثة مع يوم النحر كلّها أيام نحر، وأيام رمي الجمار هذه الأيام الأربعة، وهي مع يوم عرفة أيام التكبير عقيب الصلوات على ما سنذكره، ثم إن المراد بالذكر في هذه الأيام الذكر عند الجمرات، والذكر أدبار الصلوات، لم يخالف أحد في ذلك، إنما الخلاف في بدء هذه الصلوات وانتهائها.

فقيل: إنها تبدأ من ظهر يوم النحر إلى ما بعد الصبح من آخر أيام التشريق، فتكون الصلوات التي يكبّر عقبها خمس عشرة صلاة، وهو قول ابن عباس، وابن عمر، وبه قال مالك، والشافعي في أحد قوليه.

وعن الشافعي: أنه يبدأ بالتكبير من صلاة المغرب ليلة النحر، وعنه أنّه يبدأ به من صلاة الفجر يوم عرفة، ويقطع بعد صلاة العصر من يوم النحر، وهي رواية عن أبي حنيفة.


(١) رواه أبو داود في السنن (٢/ ١٤٧) ، كتاب المناسك باب من لم يدرك عرفة حديث رقم (١٩٤٩) ، والنسائي في السنن (٥- ٦/ ٢٩٢) ، كتاب المناسك، باب فيمن لم يدرك الصبح في مزدلفة حديث رقم (٣٠٤٤) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٣/ ٢٣٧) ، كتاب الحج باب فيمن أدرك الإمام حديث رقم (٨٨٩) .
(٢) علي بن أحمد بن محمد أبو الحسن الواحدي النيسابوري. مفسّر عالم بالأدب توفي سنة (٤٦٨ هـ) انظر الأعلام للزركلي (٤/ ٢٥٥) .

<<  <   >  >>