للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يباشر نساءه وهنّ حيّض «١» . فعلم من ذلك أن الذي طلب اعتزاله بعض جسدها دون بعض.

ولما أجمعوا على حرمة الجماع، واختلفوا في غيره، أخذوا بالمجمع عليه، وتركوا المختلف فيه.

٣- إن الذي أمر باعتزاله ما بين السرة إلى الركبة، وله ما فوق ذلك ودونه.

وحجتهم ما ثبت عن عائشة قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تأتزر، ثم يباشرها «٢» .

وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ في هذه المسألة ثلاثة أقوال:

١- قال أبو حنيفة: يجب أن تؤتى المرأة إذا انقطع دم الحيض ولو لم تغتسل بالماء. إلا أنه إذا انقطع دمها لأكثر الحيض حلّت حينئذ، وإن انقطع دمها لأقل الحيض لم تحل حتّى يمضي وقت صلاة كامل.

٢- قال مالك، والزهري، والليث، وربيعة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: لا تحل حتى ينقطع الحيض، وتغتسل بالماء غسل الجنابة.

٣- يكفي في حلها أن تتوضأ للصّلاة. قاله طاوس، ومجاهد.

وسبب الخلاف بين الأولين أن الله قال: حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ الأولى بالتخفيف، والثانية بالتشديد، وطهر يستعمل فيما لا كسب فيه للإنسان، وهو انقطاع دم الحيض. وأما تطهّر فيستعمل فيما يكتسبه الإنسان، وهو الاغتسال بالماء.

فحمل أبو حنيفة وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ على انقطاع دم الحيض، وقوله: فَإِذا تَطَهَّرْنَ على معنى: فإذا انقطع دم الحيض، فاستعمل المشدّد بمعنى المخفف.

وقالت المالكية بالعكس، إنه استعمل المخفّف بمعنى المشدّد، والمراد: ولا تقربوهن حتى يغتسلن بالماء، فإذا اغتسلن فأتوهنّ، بدليل قراءة بعضهم حَتَّى يَطْهُرْنَ بالتشديد، وبدليل قوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ أو يستعمل كل واحدة في معناها، ويؤخذ من مجموع الكلامين أنّ الله علّق الحلّ على شيئين:

انقطاع الدم. والتطهر بالماء، كقوله: وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ [النساء: ٦]


(١) رواه البخاري في الصحيح (١/ ٩٠) ، ٦- كتاب الحيض، ٦- باب مباشرة الحائض حديث رقم (٣٠٣) ، ومسلم في الصحيح (١/ ٢٤٣) ، ٣- كتاب الحيض، ١- باب مباشرة الحائض حديث رقم (٣/ ٢٩٤) .
(٢) رواه البخاري في الصحيح (١/ ٩٠) ، ٦- كتاب مباشرة الحائض، ٦- باب مباشرة الحائض حديث رقم (٣٠٢) ، ومسلم في الصحيح (١/ ٢٤٢) ، ٣- كتاب الحيض، ١- باب مباشرة الحائض حديث رقم (١/ ٢٩٣) .

<<  <   >  >>