للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ بالغ الله تعالى- في هذه الآية- في الزجر عن الربا، وكان قد بالغ في الآيات السابقة في الأمر بالصدقات، وكان النّاس يرون بحسب الظاهر أن الربا يوجب زيادة الخيرات، وأنّ الصدقات توجب نقصان الخيرات، فأراد سبحانه وتعالى أن يدفع هذه الشبهة، وبيّن أنه تعالى كفيل بعكس ذلك، وأنّ الربا وإن كان زيادة في المال ظاهرا، إلا أنه نقصان في الحقيقة، وأنّ الصدقات وإن كانت نقصانا في المال إلا أنها زيادة في المعنى، فاللائق بالمسلم أن يعوّل على ما ندبه إليه الشارع، فإنّه بذلك يضمن خيري الدنيا والآخرة، وهو المشار إليه بقوله تعالى:

يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ.

وإرباء الصدقات يكون في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فلما يأتي:

أولا: يزداد جاهه وذكره الجميل، وميل القلوب إليه، واطمئنان النفوس إليه، وفي ذلك من أسباب تيسير أموره ما يشهد به كلّ خبير.

ثانيا: إنّ محبة الناس له تجرّ إلى معاونته في كثير من معاملاته. وقضاء مصالحه، فتفتح له أبواب الخيرات، وتتسع أرزاقه.

ثالثا: من كان لله كان الله له.

وقد روي في الحديث الشريف: «أنّ ملكا ينادي كلّ يوم: اللهم يسّر لكلّ منفق خلفا، ولممسك تلفا» «١» .

وأما في الآخرة فلما

ورد: «إنّ الله، يقبل الصّدقة، ويأخذها بيمينه، فيربّيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره، حتّى إنّ اللقمة لتصير مثل أحد» «٢»

ولما ورد في القرآن الكريم مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ [البقرة: ٢٦١] . ومحق الرّبا يكون في الدنيا والآخرة:

أما في الدنيا فلما يأتي:

أولا: لأنّ الغالب في المرابي وإن كثر ماله أن تؤول عاقبته في الفقر والدمار، كما

روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «الرّبا وإن كثر فإنّ عاقبته تصير إلى قلّ» .

ثانيا: أن الذين تؤخذ أموالهم بسبب الربا يبغضون المرابي، ويقصدونه بالأذى عند غفلته، ويسلبون أمواله عند التمكن، وكل ذلك يؤدّي إلى المحق والدمار وإن طال الزمان.


(١) رواه البخاري (بغير هذا اللفظ) في الصحيح (٢/ ١٤٧) ، ٢٤- كتاب الزكاة، ٢٧- باب قوله تعالى:
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى حديث رقم (١٤٤٢) ، ومسلم في الصحيح (٢/ ٧٠٠) ، ١٢- كتاب الزكاة، ١٧- باب في المنفق حديث رقم (٥٧/ ١٠١٠) .
(٢) رواه البخاري في الصحيح (٢/ ١٣٨) ، ٢٤- كتاب الزكاة، ٨- باب الصدقة حديث رقم (١٤١٠) ، ومسلم في الصحيح (٢/ ٧٠٢) ، ١٢- كتاب الزكاة، ١٩- باب قبول الصدقة حديث رقم (٦٣/ ١٠١٤) . [.....]

<<  <   >  >>