للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما

حديث القاسم فهو ما روى ابنه عنه عن صالح بن خوّات عن سهل بن أبي حثمة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلّى بهم صلاة الخوف فصفّ صفّا خلفه، وصف مصافّ العدو، فصلّى بهم ركعة، ثم ذهب هؤلاء، وجاء أولئك فصلّى بهم ركعة، ثم قاموا فقضوا ركعة ركعة، وقد كان ذلك في غزوة ذات الرقاع.

وقد رويت روايات أخرى بغير هذه الأوضاع لا نطيل بذكرها. فأنت ترى الروايات عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم مختلفة، ولعلّ السبب في الاختلاف ما أشرنا إليه سابقا.

والآية التي نحن بصددها يمكن إرجاعها إلى هذه الروايات على تفاوت بينها، وسترى شيئا من ذلك.

وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ أي إذا كنت أيها النبيّ مع المؤمنين في غزواتهم وخوفهم، فأقمت لهم الصلاة، فاجعلهم طائفتين، تقوم طائفة منهم معك في الصلاة، وظاهر هذا يخالف مذهب ابن أبي ليلى، لأنّ نص الآية مشعر بأنّ قيام طائفة منهم معه يكون حال قيامه هو في الصلاة، بأن تفتتح الصلاة بعد افتتاحه، ومن مقتضى قوله: فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ أنّ الطائفة الأخرى لا تقوم معه، وابن أبي ليلى يقول: يكبرون جميعا، ويركعون جميعا، ثم تنفرد طائفة منهم بالسجود معه.

وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فاعل الأخذ إما المصلون، وإما غيرهم، فإن كان ضمير الفاعل للمصلين فإنّ المراد من السلاح المأخوذ حينئذ ما لا يشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر، والأمر بأخذ ذلك حينئذ للاحتياط ودفع الطوارئ، وأما إن كان ضمير الفاعل لغير المصلين، فالأمر بالأخذ لأنهم الذين يكونون في قبالة العدو.

فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ أي إذا سجد المصلون مع الإمام فليكن غير المصلين من ورائهم، يدفعون عنهم العدوّ إذا أراد الإيقاع بهم، وربما تعلّق بهذا ابن أبي ليلى حيث ترتّب الأمر بالكون من ورائهم على السجود، فدلّ ذلك على أنه قبل السجود لا يطلب منهم أن يكونوا من ورائهم، وما ذلك إلا لأنهم مشتركون معهم في الصلاة، ولكننا نقول: إن ذلك غير لازم، إذ كثيرا ما تسمّى الصلاة سجودا، أو نقول: خصّ الأمر بالكون من ورائهم بحال السجود تنبيها على وجوب اليقظة والاحتراس في هذه الحال، لأنّها التي يظنّ العدوّ فيها انشغالهم بالصلاة، وربما كانت مباغتة لهم فيها.

وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ هذا ظاهر أيضا في أنّ الطائفة الثانية لم تكن مع الأولى، بدليل أنه أمرها بالإتيان، وعلى مذهب ابن أبي ليلى لا يكون إتيان، بل تأخّر من التي سجدت مع الإمام أولا، وليس في هذا اللفظ دليل على أنّ الطائفة الأولى تقضي في مكانها قبل مبارحته، أو على أنها تذهب قبالة العدو قبل

<<  <   >  >>