القضاء، ولا على أنّ الطائفة الثانية تقضي في مكانها، بل اللفظ صالح للجميع، وليس فيه دليل أيضا على أنّ الإمام يسلّم بمجرد انتهائه من الركعة الثانية، ولا أنه ينتظر حتى تفرغ الثانية من قضاء ما فاتها.
وإنما يطلب ذلك من السنة، وأنت تعلم أنّ السنة قد جاءت بالجميع.
وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ هذا أمر للجميع بعد انتهاء الصلاة، وضم هذا الأمر بأخذ الحذر وهو التيقظ إلى الأمر بأخذ السلاح فقط عقب الركعة الأولى، لأنّ العدو في أول الصلاة لا يقوى عنده باعث المباغتة، لأنهم كانوا قياما في أولها، وإنما يقوى عنده ذلك في آخرها حين يتكرر منهم السجود، فمن أجل ذلك أمر في الأول بأخذ الأسلحة فقط، وهنا بأخذها وأخذ الحذر.
أي أنّ أعداءكم يتربّصون بكم الدوائر، ويتحيّنون لقتالكم الفرصة، ويودون لو تمكنوا منكم، فتغفلون عن عدتكم وما تقاتلونهم به، فتكون حربهم إياكم وغلبتهم عليكم سهلة ميسورة، ولن يمنعكم منهم إلا الحذر والرباط وإعداد العدة، فاحذروهم، وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة.
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ أي أنّه لا يمنعكم من عدوكم إلا الاستعداد له، فإن تعذّر عليكم حمل الميرة والسلاح للمطر أو المرض أو غير ذلك من الأعذار، فليس عليكم إثم في أن تضعوا أسلحتكم التي حالت الضرورة بينكم وبين حملها، ولكن يجب أن تكونوا على حذر وتيقظ من مباغتة العدو ومفاجأته، فبثوا له العيون والأرصاد، واتخذوا من فنون الدفاع في الحرب وأساليبه ما لا يجعل عدوكم على علم بما أنتم عليه من ضرورة حتى لا يفاجئكم، فتتم الهزيمة عليكم.
إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً إنما عقّب الله تعالى الأمر بأخذ الحذر والسلاح بهذا الوعيد، لأنّ الأمر قد يتوهّم منه أنّ العدو شديد، وذلك قد يعقب وهما في النفوس، فإزالة لهذا الوهم قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً إذا كان ذلك خبرا منه تعالى بأنه مهينهم وخاذلهم وغير ناصرهم البتة، ليعلم المؤمنون أنّ الأمر بالحذر منهم، إنما هو لما جرت به سنة الله من إتباع المسببات الأسباب حتى لا يتهاونوا ويتركوا الأسباب جانبا.
وقد اختلف الفقهاء في كيفية صلاة الخوف في المغرب، فقال الحنفية ومالك والحسن بن صالح والأوزاعي والشافعية: يصلّي بالطائفة الأولى ركعتين، وبالطائفة الثانية ركعة، غير أن المالكية والشافعية يقولون: إنّ الإمام ينتظر قائما حتى تتمّ الطائفة