يقول الله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً والمقصود إن خافت امرأة من زوجها تجافيا أو انصرافا عنها فلا إثم عليهما في أن يجريا بينهما صلحا، بأن تترك المرأة له يومها كما فعلت سودة رضي الله عنها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو تضع عنه بعض ما يجب لها من نفقة أو كسوة، أو تهب له شيئا من مهرها، أو تعطيه مالا لتستعطفه وتستديم المقام معه.
وفي قوله تعالى: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما دفع لما يتوهم من أن ما يأخذه الزوج كالرشوة فلا يحل.
وجملة وَالصُّلْحُ خَيْرٌ معترضة، أي والصلح بين الزوجين أكثر خيرا من الفرقة وسوء العشرة، على معنى أنه إن يكن في الفرقة أو سوء العشرة خير فالصلح خير من ذلك. أو والصلح خير من الخيور وليس بشر.
وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ اعتراض ثان، وفائدة الاعتراض الأوّل الترغيب في المصالحة. وفائدة الاعتراض الثاني تمهيد العذر في المماكسة والمشاحّة.
وحضر: متعد لواحد، والهمزة تعديه إلى مفعول ثان كما هنا. فالمفعول الأول نائب الفاعل، والثاني كلمة الشحّ، ويجوز العكس. والشح: البخل مع الحرص، والمراد وأحضر الله الأنفس الشحّ أي جبل الله النفوس على الشح، فلا تكاد المرأة تسمح بحقها، ولا يكاد الرجل يجود بالإنفاق وحسن المعاشرة على التي لا يريدها.
وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً هذا خطاب للأزواج بطريق الالتفات، قصد به استمالتهم وترغيبهم في حسن المعاملة، والصبر على ما يكرهون، أي وإن تحسنوا معاشرة النساء، وتتقوا النشوز، والإعراض مهما تضافرت أسبابهما، فإنّ الله يجازيكم على ذلك أحسن الجزاء، ويثيبكم عليه خير المثوبة.
يؤخذ من هذه الآية أن الرجل إذا قضى وطرا من امرأته، وكرهتها نفسه، أو عجز عن حقوقها، فله أن يطلقها، وله أن يخيّرها إن شاءت أقامت عنده ولا حق لها في القسم والوطء والنفقة، أو في بعض ذلك بحسب ما يصطلحان عليه، فإذا رضيت بذلك لزم وليس لها المطالبة بشيء مضى من ذلك على الرضا.
وهل لها في المستقبل الرجوع في ذلك الصلح؟
من العلماء من قال: إنّ حقها في القسم والنفقة يتجدد، فلها الرجوع في ذلك متى شاءت.
وقال آخرون: إنّ هذا الصلح خرج مخرج المعاوضة، وقد سمّاه الله صلحا، فيلزم كما يلزم ما تصالح عليه الناس من الحقوق والأموال، فليس لها حق الرجوع فيه