للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأيّ حال، ولو مكّنت من ذلك لم يكن صلحا، بل يكون من أكبر أسباب المعاداة والشريعة منزهة عن ذلك.

وهنا أبحاث:

الأول: رب قائل يقول إذا كان نشوز الرجل يحلّ له أن يأخذ من مال امرأته شيئا، أفلا يتخذ بعض الأزواج النشوز- بل التهديد به- وسيلة لأخذ مال المرأة، وانتقاصها حقها، وهلا يعدّ أخذ المال بهذه الوسيلة أخذا بسيف الإكراه، وأكلا لأموال الناس بالباطل.

ونحن نقول: إذا كان الرجل يرغب في زوجته حقيقة، ويود بقاءها في عصمته، ولكنه تظاهر بالنشوز والإعراض اجتلابا لمالها، واستدرارا لخيرها، كان ذلك حراما، وكان أخذ المال بهذه الوسيلة أكلا لأموال الناس بالباطل، وقد حرّم الله أكل أموال الناس بالباطل، وحرّم مشاقة الرجل زوجته لغرض أخذ شيء من مالها، كما قال:

وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء: ١٩] إلى أمثال ذلك.

ليس في مثل هذا النشوز والإعراض المصطنعين نزلت الآية، إنما الآية في رجل يرغب حقيقة في فراق زوجته لسبب ما، وقد جعل الله للرجل حق الطلاق، واستبدال زوج مكان زوج وأحلّ في هذه الآية الصلح بين الزوجين إذا كانا على ما وصفنا، رجل يريد الفراق لسبب من الأسباب، وامرأة تريد المقام معه، وإذا تراضيا على شيء من حق المرأة تنزل عنه في مقابلة أن ينزل الرجل عن شيء من حقه وهو الطلاق، لم يكن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، على أنّ الله تعالى أرشد الرجل إلى ترك النشوز مهما تكاثرت أسبابه، ووعده على ذلك الأجر والمثوبة، في قوله: وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً.

الثاني: قال الله تعالى في نشوز المرأة وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء: ٣٤] وقال في نشوز الرجل: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً فجعل لنشوز المرأة عقوبة من زوجها يعظها ويهجرها في المضجع ويضربها. ولم يجعل لنشوز الرجل عقوبة من زوجته، بل جعل له ترضية وتلطفا. فما معنى ذلك؟

الجواب عن ذلك من وجوه:

١- قد علمت أنّ الله جعل الرجال قوامين على النساء، فالرجل راعي المرأة ورئيسها المهيمن عليها، ومن قضية ذلك ألا يكون للمرؤوس معاقبة رئيسه، وإلا انقلب الأمر، وضاعت هيمنة الرئيس.

٢- أنّ الله فضل الرجال على النساء في العقل والدين، ومن قضية ذلك ألا

<<  <   >  >>