للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون نشوز من الرجل إلا لسبب قاهر، ولكن المرأة لنقصان عقلها ودينها يكثر منها النشوز لأقل شيء، وتتوهمه سببا، فلا جرم جعل الله لنشوزهن عقوبة حتى يرتدعن، ويحسنّ حالهن. وأنّ في مساق الآيتين ما يرشد إلى أنّ النشوز في النساء كثير، وفي الرجال قليل، ففي نشوز المرأة عبر باسم الموصول المجموع إشارة إلى أنّ النشوز محقق في جماعتهن. وفي نشوز الرجل عبر بإن التي للشك، وبصيغة الإفراد، وجعل الناشز بعلا وسيدا مهما كان. كل ذلك يشير إلى أنّ النشوز في الرجال غير محقق، وأنه مبنيّ على الفرض والتقدير، وأنه إذا فرض وقوعه فإنما يكون من واحد لا من جماعة، وأن ذلك الواحد على كل حال سيد زوجته.

٣- أنّ نشوز الرجل أمارة من أمارات الكراهة وإرادة الفرقة، وإذا كان الله قد جعل له حق الفرقة ولم يجعل للمرأة عليه سبيلا إذا هو أراد فرقتها، فأولى ألا يجعل لها عليه سبيلا إذا بدت منه أمارات هذه الفرقة.

الثالث: قال الجصّاص «١» في قوله تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ إنّه جائز أن يكون عموما في جواز الصلح في سائر الأشياء إلا ما خصّه الدليل، وذلك يدلّ على جواز الصلح عن إنكار، والصلح من المجهول، ونازعه في ذلك الفخر الرازي فقال: إنّ الصلح في الآية مفرد دخل عليه حرف التعريف، والمفرد الذي دخل عليه حرف التعريف مختلف في إفادته العموم، ولو سلّم أنّه يفيد العموم، فإنما ذلك إذا لم يكن هناك معهود سابق، أما إذا كان هناك معهودا سابقا كما في الآية، فالأصح أنّ حمله على المعهود السابق أولى من حمله على العموم، وذلك لأنا إنما حملناه على العموم والاستغراق ضرورة أنّا لو لم نقل ذلك لصار مجملا، ويخرج عن الإفادة، وإذا حصل هناك معهود سابق اندفع هذا المحذور، فوجب حمله عليه، وبذلك يندفع استدلال الجصّاص، ويكون المعنى: والصلح المعهود- وهو الصلح بين الزوجين- خير.

وأنت تعلم أنّ الجصاص لم يجزم بأن اللفظ عام، بل قال: إنه يجوز أن يكون عاما، كما يجوز أن يكون خاصّا بالصلح بين الزوجين، على أنّ وقوع الجملة اعتراضا، وجريانها مجرى الأمثال مما يرجح كون اللفظ عاما، فتدبر ذلك.

قال الله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (١٣٠) يخبر الله هنا بأنّ العدل بين النساء غير مستطاع، وفي آية سابقة قال:


(١) انظر أحكام القرآن للإمام أبي بكر الجصاص (٢/ ٢٨٣) .

<<  <   >  >>