وقيل: إنها حرمات خمس: المشعر الحرام، والمسجد الحرام، والبيت الحرام، والشهر الحرام، والمحرم حتى يحل، وتعظيم هذه الأشياء ظاهر.
فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ الضمير الأول راجع إلى التعظيم المأخوذ من يُعَظِّمْ أي أن تعظيم هذه الأشياء ينال به الإنسان مثوبة قد ضمنها الله سبحانه وتعالى له، وعلى هذا لا يكون خَيْرٌ أفعل تفضيل. أو نقول: إنه للتفضيل والمفاضلة على سبيل التنزل، وإرخاء العنان، أي على فرض أن ترك التعظيم فيه شيء من الخير، فالتعظيم أفضل منه.
وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ المراد حلّ ذبحها وأكلها، ثم إنه ليس المقصود بما يتلى (ما ينزل في المستقبل) ما يعطيه ظاهر الفعل المضارع، بل المراد ما سبق نزوله، مما يدل على حرمة الميتة، وما أهل به لغير الله أو ما يدل على حرمة الصيد في الحرم أو حالة الإحرام.
وعلى هذا يكون السر في التعبير بالمضارع التنبيه إلى أن ذلك المتلو ينبغي استحضاره والالتفات إليه، والاستثناء متصل إن أريد من المستثنى ما يكون محرما من خصوص الأنعام. وإن أريد به ما يشمل الدم ولحم الخنزير كان منقطعا. والظاهر الأول، والجملة معترضة لدفع ما عساه يقع في الوهم من أنّ تعظيم حرمات الله في الحج قد يقضي باجتناب الأنعام، كما قضى باجتناب الصيد.
فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ، الرجس: القذر، وقوله: مِنَ الْأَوْثانِ بيان له.
والأوثان: الأصنام، وسمّاها الله رجسا تقبيحا لها، وتنفيرا منها.
والمراد باجتنابها اجتناب عبادتها وتعظيمها. ولتأكيد ذلك أوقع الاجتناب على ذاتها، وهذه الجملة مرتبطة بما قبل الاعتراض، مترتبة على حكمه، أي إذا كان تعظيم حرمات الله فيه الخير وفيه رضا الله تعالى وكان من تعظيم هذه الحرمات اجتناب ما نهى الله عنه، فاجتنبوا الأوثان، ولا تعظموها، ولا تذبحوا لها كما كان يفعل أهل الجاهلية.
وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ.
الزور الكذب والباطل، وسمي زورا لميله عن وجه الحق، من الزور بفتح الواو وهو الميل والانحراف، وإضافة القول إليه بيانية.
قيل: المراد بقوله: الزُّورِ خلط أهل الجاهلية في تلبيتهم، وقولهم فيها:
لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك، وهو ما أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل.
وقيل المراد به قولهم في البحائر والسوائب إنّها حرام، وأن تحريمها من الله.
والأحسن التعميم في قول الزور حتى يشمل الشهادة الباطلة،
فقد أخرج أحمد