المسلمين، وبهذا القول قال مجاهد والشافعي والجبّائي وغيرهم. وعلى هذا الرأي اعتراضان:
أحدهما: أنّ العام لا ينسخ الخاصّ، لا سيما على أصل الشافعي، فإنّ ما تناوله الخاص متيقّن، وما تناوله العام مظنون، فالعام المتأخر محمول على الخاص.
والثاني: أنّه يلزم عليه حلّ نكاح المسلم للمشركة الوثنية، وحلّ نكاح المشرك للمسلمة، فإنّ الجملة الأولى وردت على سبيل الحصر، فتنحل إلى جملتين:
أولاهما: تفيد أنّه يحرم على الزاني أن يتزوج المؤمنة العفيفة.
وثانيتهما: تفيد أنّه يباح له أن يتزوج الزانية، والمشركة وثنية أو من أهل الكتاب.
وكذلك الجملة الثانية تنحل إلى جملتين.
أولاهما: تفيد أنّ الزانية لا يتزوجها المؤمن العفيف. وثانيتهما: تفيد أنّ الزانية يحل لها أن تتزوج الزاني والمشرك.
ولأصحاب هذا التأويل أن يقولوا في دفع الاعتراض الأول: إنّ العام الذي اعتبرناه ناسخا قد انضمّ إليه من الآيات والأحاديث والإجماع ما صيّر دلالته على تناوله متيقنا، كدلالة الخاص على ما تناوله، قال الله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ [النساء: ٣]
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحرام لا يحرّم الحلال»
وأجمع فقهاء الأمصار على جواز أن يتزوج الزاني بالعفيفة، وأن تتزوج الزانية بالعفيف.
ولهم أيضا في دفع الاعتراض الثاني أن يلتزموا القول بأنّ نكاح المسلم للوثينة كان حلالا في صدر الإسلام، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة: ٢٢١] وأن نكاح الكافر كان كذلك حلالا قبل الهجرة وبعدها إلى السنة السادسة سنة صلح الحديبية، وبعد غزوة الحديبية «١» نزلت آية التحريم: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة: ١٠] ولا مانع أن تكون الآية التي معنا نزلت قبل السنة السادسة، ففي هذه السورة آيات نزلت قبل هذه السنة، وهي آيات قصّة الإفك: بل فيما روى ابن أبي شيبة عن ابن جبير ما يفيد أنّ هذه الآية التي معنا مكيّة، وحينئذ يكون النسخ قد تناول الحكمين في الآية جميعا.
٢- إنّ هذه الآية وردت في تقبيح حال الزاني ببيان أنه بعد أن رضي بالزنى لا يليق به أن ينكح العفيفة المؤمنة، وإنما يليق به أن ينكح زانية مثله، أو مشركة أسوأ
(١) انظر ما رواه البخاري في الصحيح (٥/ ٨٠) ، ٦٤- كتاب المغازي، ٣٦- باب غزوة الحديبية حديث رقم (٤١٨٠) .