للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حالا منه. وكذلك الزانية بعد أن رضيت بالزنى لا يليق بها أن ينكحها مؤمن عفيف، وإنما يليق بها أن ينكحها زان مثلها، أو مشرك أسوأ حالا منها، فجملة: لا يَنْكِحُ في الموضعين خبر مراد به لا يليق به أن ينكح كما تقول: الشيخ لا يصبو، والسلطان لا يكذب، والأب لا يقتل ابنه، أي لا يليق بهم أن يفعلوا ذلك، نزّل فيه عدم لياقة الفعل منزلة عدم الفعل، وهو كثير في الكلام.

ثم الإشارة في قوله تعالى: وَحُرِّمَ ذلِكَ إن كان الزنى المفهوم من قوله:

الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلخ فالتحريم على ظاهره، وإن كانت الإشارة للنكاح المفهوم من الفعل فالمراد من التحريم معناه اللغوي، وهو المنع، مثله في قوله تعالى: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥) [الأنبياء: ٩٥] .

وعلى هذا التأويل اعتراضان:

أولهما: أنه لا يتمشى مع سبب النزول فإنها نزلت:

إما

في مرثد بن أبي مرثد حين سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن نكاح عناق، وكانت من بغايا مكة، فلم يرد عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا حتى نزل: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً الآية فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا مرثد لا تنكحها» .

وإما في جماعة من فقراء المهاجرين استأذنوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في التزوج ببغايا من الكتابيات والإماء، كنّ بالمدينة، فأنزل الله فيهم هذه الآية، وسواء أكان سبب النزول هو الأول أم الثاني، فإنّ الظاهر من سياقه أنّ الآية وردت لتحريم العفيفة على الزاني والزانية على العفيف.

وثاني الاعتراضين أنّ الآية على هذا التأويل تفيد أنه يليق بالزاني المؤمن أن يتزوّج بوثنية، ويليق بالزانية المؤمنة أن يتزوجها مشرك.

ولأصحاب هذا التأويل أن يقولوا في دفع الاعتراض الأول: الآية على هذا المعنى لا تنافي سبب النزول، فإنّه لا مانع أن يكون

قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لمرثد: «لا تنكحها»

معناه: لا يليق بك أن تتزوجها بعد أن علمت أنّ الله جعل من صفات المؤمن العفيف أنه لا يليق به من حيث هو مؤمن عفيف أن يرضى بنكاح الزانية، ولا مانع أيضا أن يكون فقراء المهاجرين كفّوا عن نكاح البغايا لهذا المعنى.

وأن يقولوا في دفع الاعتراض الثاني: إن اللياقة إنما هي بالنظر إلى الزنى، فلا ينافي أنه لا عتبارات أخرى يحرم على المسلم أن يتزوّج المشركة الوثنية، ويحرم على المسلمة أن تتزوج مشركا.

٣- إبقاء الخبر على ظاهره وجعل الكلام مخرّجا مخرج الغالب المعتاد، جيء به لزجر المؤمنين عن نكاح الزواني بعد زجرهم عن الزنى. ومعناه أن الفاسق الخبيث الذي

<<  <   >  >>