البالغ، فوجب الحدّ لدفع العار. وكذلك يقول مالك والليث: يحدّ قاذف المجنون لدفع العار الذي يلحقه.
والجمهور يمنعون لحوق العار للصبي والمجنون إذا نسبا إلى الزنى، ولو فرضنا لحوق العار فليس ذلك على الكمال، فيندرئ الحد عن قاذفهما، وليس معنى ذلك أنه لا عقوبة على قاذفهما، بل يجب على الإمام تعزيره للإيذاء.
وقوله تعالى: ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ قد شرط في تحقق القذف المستوجب للعقوبة عجز القاذف عن الإتيان بأربعة يشهدون أنهم قد رأوا المقذوف يزني، والتاء في بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ في ظاهرها تفيد اعتبار كونهم من الرجال، والحكم كذلك، لأنّه لا مدخل لشهادة النساء في الحدود باتفاق. ولم يستفد من الآية في صفة هؤلاء الشهداء أكثر من أنهم أربعة رجال من أهل الشهادة. وللعلماء خلاف في أهل الشهادة من هو فالشافعية يقولون: لا بد في أهل الشهادة أن يكون عدلا، والحنفية يقولون: الفاسق من أهل الشهادة، فإذا شهد أربعة فسّاق فهم قذفة عند الشافعية يحدون كما يحد القاذف الأول، إذ لم يأت بأربعة من أهل الشهادة. والحنفية يقولون: لا حد عليه، لأنه أتى بأربعة من أهل الشهادة، إلا أنّ الشرع لم يعتبر شهادتهم لقصور في الفاسق، فثبتت بشهادتهم شبهة الزنى، فيسقط الحد عنهم وعن القاذف، وكذلك عن المقذوف لاعتبار العدالة في ثبوت الزنى.
وظاهر العموم في الآية أنه يكفي أن يكون أحد الأربعة زوج المقذوفة، وبهذا الظاهر قال أبو حنيفة وأصحابه.
وقال مالك والشافعي: يلاعن الزوج، ويحدّ الثلاثة، وحجتهم في ذلك أنّ الشهادة بالزنى قذف، بدليل أنّ الشاهد يحدّ إذا لم يكمل النصاب، ولفظ الآية وإن كان عاما إلا أن آية اللعان جعلت للزوج حكما يخصه، وآية اللعان أخصّ من الآية التي معنا، والخاصّ مقدّم على العام.
وظاهر الإطلاق في الآية أنّه إذا أتى بأربعة شهداء كيفما اتفق مجيئهم مجتمعين أو متفرقين فهو آت بمقتضى النص، واجتماعهم أمر زائد لا إشعار به في الآية، وبهذا الظاهر قال مالك والشافعي، وأيدا قولهما بالقياس على الشهادة في سائر الأحكام، بل تفريقهم أولى، لأنه أبعد عن التهمة والتواطؤ.
وأيضا فليس من الممكن أن يشهدوا معا في وقت واحد، فلا بد أن يسمع القاضي شهادتهم واحدا بعد آخر، فكذلك إذا اجتمعوا عند بابه، ثم دخلوا عليه واحدا بعد آخر.
وقال أبو حنيفة: إذا جاؤوا متفرقين لم يسقط الحد عن القاذف، وعليهم حد