القذف، وحجته في ذلك أن الشاهد الواحد لما شهد صار قاذفا ولم يأت بأربعة شهداء، فوجب عليه الحد، وخرج عن كونه شاهدا، ولا عبرة بتسميته شاهدا إذا فقد المسمى، فلا خلاص من هذا الإشكال إلا باشتراط الاجتماع.
وظاهر الآية أيضا أنه إذا لم يأت القاذف بتمام العدة، بأن أتى باثنين أو ثلاثة منها جلد، ولم تتعرّض الآية لحكم الشهود إذا لم يكملوا النصاب، والمأثور أنّهم يحدون، فقد صحّ أنه رفع إلى عمر بن الخطاب حادثة شهد فيها على المغيرة بن شعبة بالزنى: شبل بن معبد وأبو بكرة وأخوه نافع وكان رابعهم زيادا، فلم يجزم بالشهادة بحقيقة الزنى، فحد الثلاثة عمر بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، ولم ينكروا عليه.
وقوله تعالى: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً المخاطب فيه هم أولياء الأمر من الحكام.
وقد سبق الكلام آنفا فيمن يلي الحدّ في تفسير قوله تعالى: فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وظاهر العموم في اسم الموصول في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ إلخ أنّ الزوج وغيره في هذا الحكم سواء، وأن الزوج إذا قذف زوجته، وعجز عن البينة فعليه الحد.
لكن آية اللعان قد جعلت للزوج مخرجا إذا هو عجز عن البينة، فشرعت له اللعان كما يأتي، فتكون آية اللعان مخصّصة للعموم في الموصول هنا، وظاهر العموم أيضا أنّ الرقيق والحر في ذلك الحكم سواء، وأنّ كلا منهما يجلد ثمانين جلدة إذا وقع القذف منه بشرطه، وبهذا الظاهر قال ابن مسعود والأوزاعي، وهو أيضا مذهب الشيعة.
لكنّ فقهاء الأمصار مجمعون على أنّ حد الرقيق في القذف أربعون جلدة على النصف من حد الحر، كما في الزنى، وعلى ذلك تكون الآية خاصة بالأحرار.
وظاهر قوله تعالى: فَاجْلِدُوهُمْ أنّ الإمام يقيم الحدّ ولو من غير طلب المقذوف، وبهذا قال ابن أبي ليلى.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي: لا يحد إلا بمطالبة المقذوف.
وقال مالك: إذا سمعه الإمام يقذف حده ولو لم يطلب المقذوف، إذا كان مع الإمام شهود عدول.
ولا يخفى أنّ القول بتوقف استيفاء الحد على المطالبة ظاهر في أنّ الحد حق العبد، كما أنّ تنصيفه على الرقيق ظاهر في أنّه حق لله، ومما لا شكّ فيه أن في القذف تعديا على حقوق الله تعالى، وانتهاكا لحرمة المقذوف، فكان في شرع الحد صيانة لحق الله ولحق العبد. هذا المقدار لا خلاف فيه لأحد، إنما الخلاف بين الشافعية والحنفية في الذي يغلب من الحقين على الآخر. فالشافعية يغلّبون حق العبد باعتبار حاجته وغنى الله جلّ شأنه. والحنفية يغلبون حق الله تعالى، لأنّ ما للعبد من