للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥) وردت هذه الآيات في الإذن بالقتال للمحرمين في الأشهر الحرام إذا فوجئوا بالقتال بغيا وعدوانا، فهي متصلة بما قبلها، لأنّ الآية السابقة بيّنت أنّ الأهلة مواقيت للنّاس والحج، والحج في أشهر هلالية مخصوصة، كان القتال فيها محرّما في الجاهلية.

ولم تختلف الأمة في أنّ القتال لم يكن مشروعا قبل الهجرة، بل كان محظورا بقوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) [فصلت: ٣٤، ٣٥] وقوله: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ [المائدة: ١٣] وقوله: وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: ١٢٥] وقوله:

فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) [المائدة: ٩٢] وقوله: وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً [الفرقان: ٦٣] وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ [النساء: ٧٧] وقوله: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) [الغاشية: ٢٢] وقوله: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [ق: ٤٥] وقوله: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ [الجاثية: ١٤] .

فلما تحولوا للمدينة نسخ هذا كله بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: ٥] وقوله: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة: ٢٩] .

وقد اختلف السلف في أول آية نزلت في الإذن بالقتال. فروي عن الربيع بن أنس وغيره أن أول آية نزلت في قوله تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وروي عن جماعة من الصحابة: منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنّ أول آية نزلت في القتال أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [الحج: ٣٩، ٤٠] .

وقد أخرج الواحدي «١» من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في صلح الحديبية، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما صدّ عن البيت، ثم صالحه المشركون، على أن يرجع عامه ثم يأتي القابل ويخلوا له مكة ثلاثة أيام فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء فلما كان العام المقبل تجهز هو وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك، وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم، وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام في الحرم، فأنزل الله هذه الآية وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ الآية.


(١) أسباب النزول للإمام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري صفحة (٤٩) .

<<  <   >  >>