للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعنى: يا أيها المؤمنون الذين يخافون أن يمنعهم مشركو مكة عن زيارة بيت الله والاعتمار فيه نكثا منهم للعهد، ويكرهون أن يدافعوا عن أنفسهم في الحرم وفي الشهر الحرام: اعلموا أنني قد أذنت لكم في القتال، وأنتم إذ تقاتلونهم فإنما تفعلون ذلك في سبيل الله للتمكّن من عبادته، وفوق ذلك فإنما تفعلون هذا مع من نكثوا عهد الصلح، فقاتلوا في هذه السبيل الشريفة من يقاتلونكم، ولا تعتدوا بالقتال فتبدؤوهم، ولا في القتال فتقتلوا من لم يقاتل كالنساء والصبيان والشيوخ والمرضى الذين لا يستطيعون قتالا، أو من ألقى إليكم السلم وكفّ عن حربكم.

وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ.

الثقف: الأخذ والإدراك والظفر، يقال: ثقفه: أخذه أو وجده أو ظفر به، أو أدركه.

والمعنى: اقتلوا هؤلاء الذين يقاتلونكم في أي مكان تمكّنتم منهم، ولا يصدنّكم عنهم أنهم في أرض الحرم.

وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ أجلوهم عن مكة كما أجلوكم عنها، فقد كان المشركون يتربّصون بالمؤمنين الدوائر، حتى اضطرّ هؤلاء أن يخرجوا فرارا بأنفسهم ودينهم، ومع ذلك منعوهم من دخول مكة للعبادة. فماذا على المؤمنين الذين أوذوا في سبيل الله وأخرجوا من ديارهم إذا قابلوا العدوان بمثله؟ وهل يعيب أحد الدفاع عن النفس؟ كلا. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ [البقرة: ٢٥١] .

وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ الفتنة في الأصل مصدر فتن الصائغ الذهب والفضة إذا أذابهما في النار ليستخرج منهما الزغل، ثم استعملت الفتنة في كل اختبار، وهذا مبالغة في التحريض على المقاتلة، أي أنّ ما تفعلونه معهم من القتل في الحرم أقلّ مما يتصفون به من الفتنة.

ثم قيل: إن الفتنة هنا الكفر، وقيل: المراد بها ما كان يقع من المشركين من صنوف الإيذاء والإعنات، التي جعلت المؤمنين يفرّون بدينهم، ولولا ذلك لما أمكنهم البقاء على الدين مع الإقامة على الاضطهاد والعسف، وتقرير الآية التي معنا على هذا الوجه مطابق لقوله تعالى في آيات الحج أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [الحج: ٣٩، ٤٠] .

ومن فسّر الفتنة بالشرك ادّعى أن قوله: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ الآية ناسخ لما تقرّر في الآية الأولى من قتال المقاتلين فقط. ثم احتاج بعد هذا إلى أن يقول: وهذه الآية أيضا منسوخة بقوله تعالى: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وهكذا ادعوا في هذه الآية نسخا متتاليا.

<<  <   >  >>