يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به" أي بيان الأشياء التي يكره الاستنجاء بها، والكراهة هنا يراد بها التحريم، وجاءت بها النصوص من الكتاب والسنة وأكثر إطلاقات السلف لهذا اللفظ إنما يقصد به ويراد به التحريم، وإن اصطلح العلماء على جعل الكراهة للتنزيه، الكراهة القسيمة للتحريم حملوها على التنزيه، وأكثر النصوص نصوص الكتاب والسنة جاءت الكراهة يراد بها التحريم، وجاءت أيضاً على لسان الصحابة والتابعين والأئمة، حتى على لسان مالك وأبي حنفية وأحمد والشافعي، الأئمة الكبار يطلقون الكراهة ويريدون بها التحريم، ومنها ما معنا، "باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به" لئلا يقول قائل: الإمام ترجم بالكراهة، والكراهة تعني أن الحكم -حكم هذا مكروه- الاستنجاء بما يذكر مكروه، من روث وعظام، وإذا راجع كتب الأصول وجد أن المكروه ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، والكراهة عند أهل العلم تزول بأدنى حاجة، فإذا احتاج إلى ما ذكر زالت الكراهة، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، ويحصل خلط كبير حينما تختلف الحقائق العرفية الاصطلاحية مع الحقيقة الشرعية، حينما تختلف الحقيقة العرفية الاصطلاحية عند أهل العلم مع الحقيقة الشرعية، في مثل هذا إذا حملنا الكراهة على الكراهة الاصطلاحية ارتكبنا محظور كبير، وقل مثل هذا فيما إذا حملنا قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((غسل الجمعة واجب)) إذا حملنا هذا النص على الحقيقة العرفية الاصطلاحية وهو التأثيم وقعنا في المحظور نفسه، إلا أن هذا في ارتكاب المحظور، في التساهل في ارتكاب المحظور، وذاك في التشديد في أمر لم يوجب شرعاً، فهذه الاصطلاحات حصلت من أهل العلم واتفقوا عليها، وتداولوها وتناولوا عليها كتبهم، لكن إذا قارناها بالاصطلاحات سواء كانت اللغوية أو الحقائق الشرعة وجدنا فيها نوع من الاختلاف، نعم كل ما قرب الاصطلاح العرفي الاصطلاحي عند العلماء من الاستعمال الشرعي كان أولى، لئلا يحصل مثل هذا الاضطراب، لكن إذا حصل الاصطلاح ولا مشاحاة في الاصطلاح عند أهل العلم لا بد أن ننظر إلى الحقائق كل شيء في موضعه، كل حقيقة في موضعها، يعني لو نظرنا