قال ابن العربي: أراد به أنه طبق لنار، جاء النهي عن ركوب البحر فإن تحت البحر ناراً، فعلى هذا كونه نار يعني طبق لنار، غطاء لنار، ليس بنار في نفسه، وابن قدامه في المغني يقول: قولهم: هو نار، إن أريد به أنه نار في الحال يعني الآن هو نار، إن أريد به أنه نار في الحال فهو خلاف الحس، ما في أحد يقول: إن البحر نار، إن أريد به أنه في الحال نار، وإن أريد به أنه يصير ناراً يعني فيما بعد يصير ناراً لم يمنع ذلك الوضوء به حال كونه ماءاً، فهو ماء يصح أن يتوضأ به، ولا يعدل عنه إلى التيمم؛ لأن الله -جل وعلا- يقول:{فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(٤٣) سورة النساء] وهذا ماء، فيتطهر به ولا يعدل عنه، ولم يقم دليل على الكراهة، دليل صحيح على الكراهة لم يقم، وإنما هو من أقوال ابن عمر وعبد الله بن عمرو أنهم كرهوا أن يتعرض الإنسان للبحر؛ لأنه مظنة الخطر، وجاء النهي عن ركوب البحر إلا حاجاً أو معتمراً أو غازياً في سبيل الله، وعلى كل حال ركوب البحر عند هيجانه لا شك أنه من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، لكن إذا كانت الريح ساكنة، والأمور كما يقولون: طبيعية راكدة، فلا مانع من ركوبه، وقد ركبه الصحابة وأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن من أصحابه من يغزو في البحر، وقد تم ذلك، نعم.
عفا الله عنك.
[باب: ما جاء في التشديد في البول:]
حدثنا هناد وقتيبة وأبو كريب قالوا: حدثنا وكيع عن الأعمش قال: سمعت مجاهداً يحدث عن طاووس عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر على قبرين فقال:((إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستتر من بوله، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة)).
قال أبو عيسى: وفي الباب عن زيد بن ثابت وأبي بكرة وأبي هريرة وأبي موسى وعبد الرحمن بن حسنة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وروى منصور هذا الحديث عن مجاهد عن ابن عباس ولم يذكر فيه عن طاووس، ورواية الأعمش أصح. قال: وسمعت أبا بكر محمد بن أبان البلخي مستملي وكيع يقول: سمعت وكيعاً يقول: الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور.