للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وزيد بن خالد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كلاهما عندي صحيح؛ لأنهما قد رويا من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث، وحديث أبي هريرة إنما صح لأنه قد روي من غير وجه، وأما محمد بن إسماعيل البخاري فزعم أن حديث أبي سلمة عن زيد بن خالد أصح، يعني الحديث الثاني أصح من الأول، طيب حديث أبي سلمة عن أبي هريرة فيه محمد بن عمرو بن علقمة وهو صدوق له أوهام، والحديث الثاني الذي رجحه الإمام البخاري فيه محمد بن إسحاق وهو وإن كان إماماً في المغازي إلا أن روايته للحديث فيها ما فيها، بل رمي بالكذب، لكن القول الوسط المعتدل فيه أنه صدوق، فهو بمنزلة محمد بن عمرو، ويزيد عليه أنه مدلس لا بد أن يصرح، فكيف رجح الإمام البخاري الحديث الثاني وفيه محمد بن إسحاق على الحديث الأول الذي فيه محمد بن عمرو بن علقمة؟ ما سبب الترجيح؟ يقول الحافظ ابن حجر: حكى الترمذي عن البخاري أنه سأله عن رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ورواية محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد فقال: رواية محمد بن إبراهيم أصح، لا شك أن محمد بن إبراهيم أوثق من محمد بن عمرو، لكن الراوي عن محمد بن إبراهيم لا يترجح على محمد بن عمرو بأي حال من الأحوال، قال: رواية محمد بن إبراهيم أصح، وقال الترمذي: كلا الحديثين صحيح عندي، وترجيح البخاري طريق محمد بن إبراهيم لأمرين:

الأول: أن فيه قصة سيأتي في الحديث: "قال أبو سلمة: فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات -يعني الخمس- في المسجد -جماعة- وسواكه على أذنه موضع القلم من إذن الكاتب، لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه" هذه قصة، قصة الخبر، هذه قصة ذكرت في الخبر، ولا شك أن ذكر الحديث بفصه، بجميع ما يدور حوله بقصته بسببه يدل على أن الراوي ضبطه وأتقنه، بخلاف الحديث المجرد عن قصته وسببه، فإذا ذكر الراوي الحديث بقصته بسبب وروده بسبب إيراده من قبل الصحابي هذا كله يدل على أن الراوي ضبط الحديث وأتقنه بجميع ما يحتف به، وهذا مرجح عند أهل العلم، الأول: أن فيها قصة، وهو قول أبي سلمة التي ذكرناه.