"قال أبو عيسى: وقالت طائفة من أهل العلم يعيد في الجنابة ولا يعيد في الوضوء، وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة" وهو قول أبي حنفية ومن تبعه فعندهم أنهما واجبتان في الغسل دون الوضوء لحديث: ((توضأ كما أمرك الله)) فأحاله على الآية، وليس في الآية ذكر المضمضة والاستنشاق، وأيضاً الغسل يطلب فيه الاستيعاب دون الوضوء، الغسل يطلب فيه استيعاب البدن وهما من البدن دون الوضوء، فأوجبا في الغسل دون الوضوء هذا عندهم، كون المضمضة والاستنشاق لم يذكرا في آية المائدة هل يدل هذا على عدم الوجوب؟ وفي الحديث:((توضأ كما أمرك الله)) فأحاله على الآية، الآية ليس فيها تنصيص على المضمضة والاستنشاق، لكن الخلاف في فهم الآية بين أهل العلم كل منهما، كل منهم يستدل بالآية لمذهبه، فالذي يقول: بالوجوب -بوجوب المضمضة والاستنشاق- يقول: إن الفم والأنف من مسمى الوجه الذي جاء الأمر بغسله، من مسمى الوجه الذي جاء الأمر بغسله، والذي يقول: لا يجب لا مضمضة ولا استنشاق يقول: ليس من مسمى الوجه؛ لأنهما لا تحصل بهما المواجهة، فإذا أردت أن تواجه مخلوقاً من المخلوقين هل تفغر فاك لمواجهته ليكون الفم من مسمى المواجهة؟ هذه حجة من يقول: إن المضمضة والاستنشاق لا تدخلان في الآية، وعلى كل حال جاء ما يدل على وجوبهما من السنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- داوم على المضمضة والاستنشاق، وكل من وصف وضوءه -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه تمضمض واستنشق، وهذا بيان للمجمل المأمور به في الآية.
"وقالت طائفة: لا يعيد في الوضوء ولا في الجنابة لأنهما سنة من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا تجب الإعادة على من تركهما في الوضوء ولا في الجنابة، وهو قول مالك في آخرة" يعني في آخر أمره.
قال الشارح: ليس لهذا الطائفة دليل صحيح، وقد اعترف جماعة من الشافعية وغيرهم بضعف دليل من قال بعدم وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار قاله في النيل.
ابن العربي يقول: اختلف العلماء في المضمضة والاستنشاق في الطهرين على أربعة أقوال:
الأول: أنهما سنتان في الطهارتين، قاله مالك والشافعي والأوزاعي وربيعة.