أما ما ذكر في أن الملائكة بلا شهوة فهذا صحيح وأنهم عقلاء ولهم عقلاء خلافاً لمن يقول: إنهم غير عقلاء يعني وجد من يقول هذا، ممن ينتسب إلى العلم؛ لأنه لم ينص على أن لهم عقول، ولا نثبت إلا ما ثبت عن الله عالم غيبي لا نثبت لهم إلا ما ثبت، لكن ضد العقل الجنون، ولا يمكن أن يقال لمن هم في الخدمة أنهم غير عقلاء، وفي هذا مصنفات وردود على من قال بهذا، فلا شك أنهم عقلاء لكن لا شهوة لهم، جردوا من الشهوة، والبهائم لا عقول لها وإن كان لها قوات مدركة، قوى مدركة تدرك بعض ما ينفعها وبعض ما يضرها، وبه تهرب البهيمة ممن يريد الإضرار بها، وتسعى لتحصيل رزقها، لكنها ليست هذه عقول إنما قوى مدركة كما يقول أهل العلم، وأما بنو آدم ففيهم العقول وفيهم الشهوات، المسألة سجال بين هذا وهذا، ولا شك أن من غلب عقله شهوته والمراد بالعقل المخطوم بخطام الشرع وإلا قد يمتنع الإنسان من الشهوة ويدعي أنه عاقل لكن لا يمتثل شرعاً؛ لأنه وجد من يصوم ويترك الشهوات، لكنه صيام غير شرعي، وأحمد أمين يقول: إنه درسهم شخص في مدرسة القضاء الشرعي، وأعجبه علمه وخلقه وعبادته، ثم إنه فقده مدة طويلة وبحث عنه فلم يجده وبعد سنين يقول أحمد أمين: إنه ذهب إلى تركيا فوجد هذا الرجل وقد انقطع عن الدنيا وتفرغ للعبادة حتى صار صواماً قوماً، يصوم الدهر لكن متى يبدأ صيامه يقول: يبدأ من الساعة التاسعة صباحاً، هذا ترك الشهوات، يبدأ من التاسعة صباحاً والعذر أقبح من الفعل، لماذا؟ يقول: العمارة التي يسكنها في شقة تحت الشقة التي يسكنها أسرة يهودية ويخشى أنه إذا قام لإعداد السحور في وقته أن يزعج هذه الأسرة، هذا ترك الشهوات لكن إلى إيش؟ إلى ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، وذكروا عن الفارابي أنه جاور في أخر عمره ولزم المسجد الحرام، وانقطع للعبادة والصيام والقيام والتأله إلا أنه يفطر على الخمر المعتق وأفئدة الحملان، مثل هذا ترك الشهوات لكن تركه بعقل أو بعقل مخطوم بخطام الشرع؟! هذا ضلال نسال الله السلامة والعافية.
يقول في نهاية السؤال: ومتى يكون ابن آدم أفضل من الملائكة؟