الحفظ المجرد قد لا يثبت في الذهن، وإنما يثبت بالتطبيق، يثبت بالتطبيق، ولذا من قرأ في إرشاد الساري أو حتى الكرماني، إذا انتهى من الكتاب يكون عنده تصور عن رجال البخاري أكثر مما لو قرأ تراجمهم في التقريب؛ لأن الراوي مربوط بمرويه، التصور يكون تام، وأيضاً عبارة هؤلاء أبسط من عبارة التقريب، فيستفيد من قرأ في الشروح ونظر في الرجال، لكن من أراد كيفية حفظ الرجال بما قيل فيهم من أقوال أهل العلم يجعل التقريب محور، يقارنه بما في الكاشف والخلاصة، فإذا انتهى رجع مرة أخرى، فراجع عليه تهذيب الكمال، وتقريب التهذيب بزياداته، فينظر كيف انتقى ابن حجر هذه اللفظة التي لا يقل بها أحد من أهل العلم من أقوالهم التي قد تبلغ عشرين، ابن حجر ينتقي لفظ مناسب لحال هذا الراوي من وجهة نظره، من وجهة نظره هو، فينظر في أقوال أهل العلم في هذا الراوي فيرى أن التوسط فيه أن يقال: صدوق، نص بعضهم على أنه يخطئ قال: ربما يخطئ، وإذا نص أكثر من ذلك على أنه يخطئ قال: صدوق يخطئ، وهكذا إذا كانت الأقوال متجهة إلى توثيقه قال: ثقة، وإذا كانت الأقوال متجهة أو أكثرها متجه إلى تضعيفه قال: ضعيف، وهكذا فهذا اجتهاد ابن حجر، ووقفنا على اختلاف في أحكامه على الرواة في التقريب وفي مؤلفاته الأخرى، فعبيد الله بن الأخنس من رواة البخاري، قال فيه في فتح الباري: ثقة، ثقة، وشذ ابن حبان فقال: يخطئ، لماذا؟ لأنه استصحب الخبر الذي رواه في صحيح البخاري، وغفل عنه في التقريب، نظر في أقوال أهل العلم وغفل عما قرره في الفتح، وعن روايته في الصحيح، فقال: عبيد الله بن الأخنس صدوق، قال ابن حبان: يخطئ، فلنعلم جميعاً أن الأحكام في التقريب اجتهادات بشر، نعم حافظ ومطلع وصاحب استقراء واطلاع واسع وصاحب فهم ثاقب ولكنه ليس بمعصوم، فطالب العلم المبتدئ يمكن أن يتدرب ويتمرن على التقريب لا بأس، كما يتمرن على كتب المصطلح المؤلفة للمتأخرين، لا مانع، لكنه إذا تأهل صارت لديه الأهلية لا يعول على التقريب، يعني لا يكتفي بالتقريب، يراجع التقريب ثم يراجع كلام أهل العلم، فقد يخالف، يخالف ما جاء في التقريب، الرجل ثقة لماذا أنزله ابن حجر إلى مرتبة صدوق؟ الرجل ضعيف في أقوال