"رأيت علياً توضأ" بعضهم يقول: بدلاً من شرع بالوضوء يعني أراد الوضوء، أراده، لكنه بالفعل شرع وباشر، فغسل كفيه، شرع فيه فغسل كفيه، ومنهم من يقول: إن توضأ هنا على بابها، توضأ وفرغ من الوضوء، توضأ وهذا تعبير عما حصل إجمالي، تعبير إجمالي عما حصل، توضأ والتفصيل بالفاء، فالفاء تفريعية على ما تقدم على المجمل، "فغسل كفيه" والكف من أطراف الأصابع إلى الرسغ إلى المفصل، هذا الكف "فغسل كفيه -يعني إلى الرسغين- حتى أنقاهما" أنقاهما يعني أزال ما عليهما من وسخ إن وجد، أنقاهما يعني: أسبغ غسلهما "ثم مضمض ثلاثاً" والمضمضة إدخال الماء في الفم ثم إدارته باللسان والشدقين ثم مجه، والمج على هذا من المضمضة، وعلى هذا لو أدخل الماء في الفم ثم أداره فيه فابتلعه هل نقول: مضمض وإلا ما مضمض؟ نعم، على هذا التعريف لا يكون تمضمض، ومنهم من لا يدخل المج في المضمضة، وحينئذٍ إذا أدخله في فمه ثم أداره تمت المضمضة ثم إن شاء مجه وإن شاء ابتلعه، وإذا كان المقصود من المضمضة تنظيف الفم قد يقول قائل: الفم نظيف، اللعاب ينظفه باستمرار، وهو مغلق لا يدخل إليه غبار ولا شيء.
على كل حال الوضوء إنما هو للتنظيف، حكمته الظاهرة التنظيف، وإخراج الوسخ الحسي والمعنوي، المعنوي إخراج الوسخ المعنوي فالذنوب تخرج مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فالفم لا شك أنه أحياناً يكون فيه بقايا طعام فيحتاج إلى تنظيف، قد يكون فيه رائحة من كثرة كلام أو من إطالة سكوت يحتاج إلى تنظيف، وعلى هذا المج من المضمضة، المج من المضمضة؛ لأنه إذا ابتلعه، والشرع جاءت الأدلة المتظافرة على حثه على النظافة ونظافة الباطن أهم من نظافة الظاهر، ليس معنى هذا أنه إذا نظف ظاهره انتهى، بل الشرع يعتني بالنظافة الباطنة والظاهرة، فإذا ابتلعه ما اهتم بنظافته الباطنة التي قد يتسبب عنها بعض الأمراض، فالمج حينئذٍ من المضمضة.