للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أربع وستين، إمام من أئمة المسلمين لا يحتاج إلى تزكية، استفاض ذكره، واشتهر أمره، إمام في كل باب من أبواب الدين أعني سفيان، إمام في العلم، إمام في الفقه، إمام في العمل، في العبادة، في الزهد، لا يحتاج إلى إفاضة في ذكر مناقبه -رحمه الله تعالى-، وهو فقيه متبوع له تبع، له مذهب استمر أكثر من قرنين، ثم انقرض بعد ذلك، ومع ذلك تطالعنا الصحف أحياناً بذم الزهد، ويمثل بسفيان، كتب في إحدى الصحف عن الزهد وأنه خمول وتعطيل للدينا، تعطيل لما أمر الله به من عمارة الأرض، والآيات في الزهد والتزهيد في الدنيا والإعراض عنها، والنصوص الصحيحة الصريحة من الأحاديث النبوية لا تخطر على بال أمثال هؤلاء، ولا يلتفتون إلا إلى أمور الدنيا فقط، لا يهمهم إلا الدنيا، ثم يضرب بسفيان والإمام أحمد ومن نحا نحوهم في العلم والعمل، وقبل ذلك الصحابة ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمر، وكان ابن عمر بعد ذلك يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" والكاتب هذا في صحف سائرة دائرة بين الناس يكتب عن الزهد ويذم الزهد، ويضرب أمثلة بسفيان وأحمد ونظرائه، يعني صار المدح قدحاً لما أختلت الموازين، وصار الهدف الدنيا، والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، الإنسان إنما خلق لتحقيق العبودية، وأما الدنيا فمن أجل أن يتزود منها ما يعينه على تحقيق الهدف، ولذا النصوص كلها تأمر بالإعراض عن الدنيا، والإقبال عن الآخرة، ولم يرد إلا مثل قوله –جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(٧٧) سورة القصص] لأنه مع كثرة النصوص التي تزهد في الدنيا وترغب في الآخرة قد يوجد من بعض المسلمين من لا يكتسب إعراضاً عن الدنيا، يترك الكسب بالكلية يقال له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(٧٧) سورة القصص] يعني مما يعنيك ويبلغك إلى مرادك، ومع الأسف أن كثير من المسلمين الآن يحتاج أن يقال له: "لا تنس نصيبك من الآخرة" سفيان هذا إمام من أئمة المسلمين معروف بعلمه وزهده وورعه وروايته.