حينما يبحثون مثل هذه الرواية تجده في أول الكلام يقول: تقيد الرواية الأولى بالثانية، وفي أثناء الكلام يقول: يخصص النص الأول أو اللفظ الأول بالثاني مع أن التقييد شيء والتخصيص شيء أخر حقيقة وحكماً، فمن حيث الحقيقة التخصيص تقليل في الأفراد، والتقييد تقليل في الأوصاف، وإذا أردنا أن نحرر هذه المسألة لأن المسألة حصل فيه خلط وفيها أيضاً من بعض الشراح بعض الكلام الذي يقضي بعضه على بعض، فإذا حررت هذه اللفظة أو ما بين اللفظين من نسبة إما عموم وخصوص أو إطلاق وتقييد انتهى الإشكال انحلت عندنا، فإذا قلنا: إنه من باب الإطلاق والتقييد قلنا: يحمل المطلق على المقيد للاتفاق في الحكم والسبب، فيحمل المطلق على المقيد وحينئذٍ يتجه قول الشافعية والحنابلة، وإذا قلنا: إنه من باب العموم والخصوص قلنا: التنصيص على التراب وهو فرد من أفراد العام لا يقتضي التخصيص لماذا؟ لأن الحكم واحد والتنصيص على فرد من أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص إنما يقتضي الاهتمام بشأن الخاص والعناية به، فيكون أولى من غيره من أفراد العام، لكن هذا لا يقتضي تخصيص، ولعل هذا هو معول من يقول بالتيمم بجميع ما على وجه الأرض، هذا عام وخاص وذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي تخصيص، لكن من يقول: إن هذا من باب الإطلاق والتقييد فلا مفر له من أن يقول: التيمم لا يجوز إلا بالتراب، والتراب قيد، لكن إذا نظرنا من حيث الواقع هل التراب وصف من أوصاف الأرض أو فرد من أفرادها؟ فرد من أفرادها، ولذا القول المتجه هو قول الحنفية والمالكية، وأنه يتيمم بجميع ما على وجه الأرض، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تيمم من أصل الجدار.