"وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد والمشقة على الناس" فإنه يرد عليه بالحديث السابق وعدم الاستفصال فيه، وأيضاً يرد عليه بحديث أبي ذر "فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي".
"قال أبو ذر: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فأذن بلال بصلاة الظهر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بلال أبرد ثم أبرد)) فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى لاجتماعهم في السفر، وكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد.
يقول ابن حجر في فتح الباري: "جمهور أهل العلم يستحب تأخير الظهر في شدة الحر إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج، وخصه بعضهم بالجماعة، فأما المنفرد فالتعجيل في حقه أفضل" يعني شخص معذور في بيته أو امرأة في بيتها تصلي الظهر، هل الأفضل في حقها التعجيل أو التأخير في شدة الحر؟ لا شك أن عموم الخبر يتناول الجميع، لكن العلة:((فإن شدة الحر من فيح جهنم)) العلة المنصوصة مفقودة بالنسبة للمنفرد من ذكر معذور أو أنثى تصلي في بيتها، ولذا للنظر في هذا مجال، ولو أخروا اتباعاً للأمر النبوي لما يلامون، لا يلامون في مثل هذا.
الإمام الترمذي يرد على الإمام الشافعي بحديث أبي ذر، وفي هذا فوائد فاعتراض الترمذي على الشافعي بحديث أبي ذر يدل على أن الترمذي ليس بشافعي المذهب كما ادعاه الشافعية وترجموا له في طبقاتهم، يدل على أنه ليس بشافعي المذهب، والمرجح في الأئمة كلهم أنهم مجتهدون، أصحاب الكتب الستة عدا أبي داود، فإنه من أصحاب الإمام أحمد، وأما من عداهم فالبخاري ترجم له في طبقات الحنفية مع أنه أشد مخالفة لهم من غيرهم، وترجم له في طبقات المالكية وترجم له في طبقات الفقهاء من سائر المذاهب، وكل يدعيه، ولا شك أن انتمائه لإمام من الأئمة شرف لهذا الإمام، لكن الحاصل والواقع أنه إمام مجتهد في مصاف الأئمة الأربعة، بل عنايته بصحيح السنة قد تكون أبلغ من عنايتهم بها.