للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ولي أبو هريرة البحرين لعمر، وأفتى فيها في مسألة المُطَلَّقة طلقة، ثم يتزوَّج بها آخر، ثم بعد الدخول فارقها، فتزوَّجها الأول. هل تبقى عنده على طلقتين - كما هو قول عمر وغيره من الصحابة، ومالك و الشافعي، وأحمد في المشهور عنه - أو تلغى تلك التطليقة، وتكون عنده على الثلاث، كما هو قول ابن عباس، وابن عمر وأبي حنيفة، ورواية عن عمر، بناء على أنَّ إصابة الزوج تهدم ما دون الثلاث، كما هدمت إصابته لها الثلاث.

فالأول مبنيٌّ على أنَّ إصابة الزوج الثاني، إنما هي غاية التحريم الثابت بالطلاق. فهو الذي يرتفع، والمطلَّقة دون الثلاث لم تحرم، فلا ترفع الإصابة منها شيئاً.

وبهذا أفتى أبو هريرة، فقال له عمر: «لَوْ أَفْتَيْتَ بِغَيْرِهِ، لأَوْجَعْتُكَ ضَرْباً» (١).

وقد سأله قوم يُحَرِّمُونَ عن مُحِلِّينَ أهدوا هلم صيداً، فأمرهم بأكله، ثم لقي عمر بن الخطاب فأخبره بذلك، فقال له: «لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ هَذَا، لأَوْجَعْتُكَ» (٢).

وقد أفتى أبو هريرة في مسائل دقيقة، مع مثل ابن عباس (٣) وعمل الصحابة ومن بعدهم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - بحديث أبي هريرة، في مسائل كثيرة، تخالف القياس، كما عملوا كلهم بحديثه عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلاَ عَلَى خَالَتِهَا»، كما عمل أبو حنيفة والشافعي وغيرهما بحديثه، أنَّ «مَنْ أَكَلَ نَاسِياً، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ»، وهو مخالفف للقياس، كما عمل الإمام مالك بحديثه: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ» في غسل الإناء سبعاً، مع أنَّ القياس عنده: أنه لا يغسل لطهارته عنده (٤).


(١) " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٤٥، جـ ٢.
(٢) " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٤٦، جـ ٢.
(٣) " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٣٧، ٤٤٦، جـ ٢.
(٤) " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٤٥، جـ ٢.

<<  <   >  >>