للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا سبيل للطعن في صدقه. لأنه لم يتقوَّل على رسول الله ما لم يقل، ومعنى قوله: صدق، كذب (أصاب، وأخطأ) كما سأُبَيِّنُهُ بعد قليل وليس في الخطأ كذب وخاصة في هذا المقام.

...

[ح] أبو هريرة ومروان بن الحكم: (١)

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ شَمَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَمَرَّ عَلَيْهِ مَرْوَانُ، فَقَالَ: «بَعْضَ حَدِيثِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ حَدِيثَكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

ثُمَّ رَجَعَ (مروان)، فَقُلْنَا: الآنَ يَقَعُ بِهِ، قَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْجَنَائِزِ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «أَنْتَ خَلَقْتَهَا، وَأَنْتَ رَزَقْتَهَا ... » الحديث. اهـ (٢)، قال مروان لأبي هريرة: «بَعْضَ حَدِيثِكَ - أَوْ حَدِيثَكَ»، يريد به الإنكار على أبي هريرة في كثرة روايته.

وكان بعض الصحابة، وبعض الوُلاَّة ينكرون عليه، ثم يضطرُّون إلى علمه وحفظه، فيسألونه أو يقرُّون له بما روى، كما صنع مروان هنا، وغيره في روايات كثيرة، وما كانوا يظنون بصدقه الظنون، ولا كانوا يتَّهمونه في حفظه وأمانته - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (٣).

تلك صورة حقيقية لما دار بين أبي هريرة وبعض الصحابة، وهي لا تعدو ما كان يحصل بين الصحابة من نقاش حول تحرِّي الحق، ومعرفة الصواب، إذ لم يكن الصحابة يُكَذِّبُ بعضُهُم بعضاً، بل يُبَيِّنُ بعضهم خطأ بعض، وكانوا سرعان ما يعودون إلى الحق ويدورون معه حيث دار. وإذا صدر عنهم ألفاظ (الكذب) فإنما يقصدون بها الخطأ والغلط، لا التكذيب والافتراء، وكان هذا يقع كثيراً بين الصحابة ولا يرون فيه


(١) لم تثبت لمروان صُحبة.
(٢) " مسند الإمام أحمد ": ص ٢١٣، جـ ١٣، رقم ٧٤٧ بإسناد صحيح.
(٣) " مسند الإمام أحمد ": ص ٢١٣، جـ ١٣، الهامش تعليق الأستاذ أحمد محمد شاكر.

<<  <   >  >>