للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جَرْحاً ولا إهانة، ولا يُخرجون من قيل له ذلك من العدالة والصدق، من ذلك ما قالته أسماء بنت عُميس لعمر بن الخطاب: «كَذَبْتَ يَا عُمَرُ» (١)، وكان ذلك في عهد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهل يُتَصَوَّرُ من أسماء أو غيرها أنها تعني التكذيب بمعنى الافتراء؟ إنها تعني الخطأ ولا شك.

وقد بيَّن ابن قتيبة معنى إنكار الصحابة على أبي هريرة فيما ذكره من الأخبار والوقائع، فلم يكن قط بمعنى الإكذاب، ولم يقولوا له إنك تكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو تضع أو تفتري أ وتختلق، إنما خالفوه أحياناً وليس هذا من باب التجريح، ومِمَّا قاله ابن قتيبة عن الصحابة وأحوالهم: «وَأَخَافُ أَنْ يُشَبَّهَ لِي كَمَا شُبِّهَ لَهُمْ، فَأُعْلِمُكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْطِئُونَ لاَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَمَّدُونَ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ كَانَ أَلْزَمَهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِخِدْمَتِهِ وَشَبَعِ بَطْنِهِ، وَكَانَ فَقِيرًا مُعْدَمًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَشْغَلَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرْسُ الْوَدِيِّ وَلاَ الصَّفق بِالأَسْوَاقِ، يُعَرِّضُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَصَرَّفُونَ فِي التِّجَارَاتِ وَيَلْزَمُونَ الضِّيَاعَ فِي أَكْثَرِ الأَوْقَاتِ، وَهُوَ مُلاَزِمٌ لَهُ لاَ يُفَارِقُهُ، فَعَرَفَ مَا لَمْ يَعْرِفُوا، وَحَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظُوا - أَمْسَكُوا عَنْهُ» (٢).

وبعد هذا، فإنَّ عَبْدَ الحُسَيْنَ ينكر إمساك الصحابة عن أبي هريرة عندما عرفوا منزلته كما روى ابن قتيبة ويرى أنَّ دفاعه إنما كان جزافاً لا يصغى إليه (٣). هذا ما يريده مؤلف كتاب " أبو هريرة " لأنَّ الحق لا يوافق هواه، ولا يعجبه إلاَّ أنْ يستشهد بروايات الإسكافي المتروكة، التي يُجَرِّحُ فيها أبا هريرة.

ويدَّعِي بعد ذلك أنَّ الإمام أبا حنيفة وأصحابه كانوا يتركون حديث أبي هريرة إذا عارض قياسهم كما فعلوا في حديثه عن المصراة وهي البقرة أو الشاة أو الناقة يجمع اللبن في ضرعها ... إذ روى أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لاَ تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالغَنَمَ، مَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخَطَهَا رَدَّهَا وَصَاعاً


(١) " صحيح مسلم ": ص ١٩٤٦، جـ ٤ رقم ٢٥٠٣.
(٢) " تأويل مختلف الحديث ": ص ٥٠.
(٣) " أبو هريرة ": ص ٢٦٦.

<<  <   >  >>