٣ - على عهد النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
وصفه بالفقر وأنه من أهل الصُفَّة الذين لا مأوى ولا معين [صفحة: ٥ - ٨] ونسي أو تناسى أنْ يُبَيِّنَ أنَّ أهل الصُفَّة كانوا أضياف الإسلام، وقفوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله وطلب العلم، وكانوا صلة بين الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه وعامة المسلمين، فإذا ما أراد أنْ يُبلِّغَ تنزيلاً أو يجمع المسلمين دعا بعض أهل الصُفَّة لينادُوا في المسلمين ويجمعوهم، وكان أكثرهم من المهاجرين وفيهم كرام الصحابة، وكان يحبهم رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويكرمهم، وكثيراً ما كان يأكل معهم.
ثم عرض الكاتب جوع أبي هريرة وفقره، وملازمته رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشبع بطنه، وفي هذا كله لم ير براءة أبي هريرة وصفاء نفسه وحُسن سريرته، بل حاول أنْ يعرضه على القارئ عرض الفقير البائس، المنقطع المتشرِّدِ الذي يستجدي الصحابة ويلازم الرسول فقط ليشبعه، لم ير في ذلك حرصه على العلم فيما في يَدَيْ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وصَوَّرَهُ الجائع المتماوت من جوعه، يريد فُتاتَ الموائد، ويطلب الحياة الدنيا، وأغمض الكاتب عينيه عن الروايات الثانية التي تُبَيِّنُ حقيقة ملازمته للرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وزُهده في الدنيا وانقطاعه لخدمة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلباً للعلم، وقد سأله رسول الله:«أَلاَ تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الْغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟» فقال أبو هريرة: «أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ».
ثم ذكر الكاتب ثناء أبي هريرة على جعفر بن أبي طالب لأنه كان للمساكين عوناً يكرمهم ويُواسِيهِمْ، ويختتم هذه الفقرة بقوله: «وما زالت الصُفة موطن أبي هريرة الذي يطمئن إليه ليلاً ونهاراً، لا يأوي إلى ما سواها حتى ارتحل النبي صلى الله عليه وآله من هذه الدار الفانية، ولحق بالرفيق الأعلى، وقبل ذلك لم يقم أبو هريرة بشيء يعود عليه بشبع بطنه سوى
(١) " حلية الأولياء ": ١/ ٣٨١ و " البداية والنهاية ": ٨/ ١١١.