ولهذا عرف الأمويُّون فضله عندهم فعمل «مروان وبنوه في تعداد أسانيده وتكثير طرقه أعمالاً جبَّارة، لم يألفوا جُهداً، ولم يدَّخروا وسعاً. حتى أخرجه أصحاب الصحاح والسُنن والمسانيد. ولمروان وبنيه في رفع مستوى أبي هريرة وتفضيله على من سواه في الحفظ والضبط والإتقان والورع أعمال كان لها أثرها إلى يومنا هذا ... »[ص ٤٠]، ثم يسوق قصة كاتب مروان حين كتب ما حدَّث به أبو هريرة، ويستشهد بالمشادة التي قامت بين مروان وأبي هريرة يوم وفاة الحسن والخلاف في مواراته في حُجْرَةِ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ويرى أنَّ هذه مؤامرة للإشادة بحفظ أبي هريرة، وأفضليته في ذلك على كثير من الصحابة، ويرى أنَّ هذه المؤامرة الممثلة انتهت بتسليم مروان وخنوعه واعترافه بفضل أبي هريرة ومكانته وفي هذا يُرَوِّجُ - كما يزعم المؤلف - بضاعة أبي هريرة «التي كان مروان ومعاوية وبنوهما يحاربون بها الحسن والحُسين وأباهما وبنِيهِمَا، وكانت من أنجع الدعايات في تلك السياسات ... »[ص ٤٢].
لقد سبق أنْ بيَّنتُ وجه الحق في هذه الحقائق التاريخية، وإنما نظر المؤلف إليها بمنظاره الأسود، من خلال نفسه وآرائه، فكانت صورة ناطقة عما يدور في ضميره وتنطوي عليه سريرته.
...
٨ - كمية حديثه (١): [ص ٤٢ - ٥٥]:
قال المؤلف: «أجمع أهل الحديث - كما في ترجمته من " الإصابة " وغيرها
(١) قديماً أخذ النَظَّامُ على أبي هريرة كثرة أحاديثه وتابعه بعض المعتزلة منهم أبو القاسم البلخي وتعرَّض لذلك في كتابه " قبول الأخبار ومعرفة الرُواة "، وقد رَدَّ ابن قتيبة على النظَّام في كتابه " تأويل مختلف الحديث ": صفحة ٤٨، وبرَّأ أبا هريرة من تُهمة النظام. ومن المتأخرين عبد الحسين شرف الدين في كتابه " أبو هريرة " ونحن نناقشه ذلك، وكذلك " دائرة المعارف الإسلامية " نقلاً عن جولدتسيهر، ومحمود أَبُو رِيَّة في كتابه " أضواء على السُنَّة المحمدية ": ص ١٦٢، ويجمعهم جميعهم في ذلك هوى مُتَّبَعٌ ومآرب نفسية تخدم مبادئهم سواء أكانت طائفية أم تبشيرية. وقد تولى الدكتور مصطفى السباعي الرد على المستشرقين وعلى أبي رية في كتابه " السُنَّة ومكانتها في التشريع =